- المجتمع الاسرائيلي, دراسة ادبية, رصد, وداعا ارض اللبن والعسل
- 0 Comments
- 693 Views
عمان – بعد جهد بحثي ومتابعات واسعة على مدى خمس سنوات صدر عن مركز الأبحاث الفلسطيني في القدس المحتلة مؤلف بحثي أدبي بعنوان “وداعا أرض اللبن والعسل.. العقلية الصهيونية في بيت إتغار كيرت أضيق بيت في العالم”.
وسعت الكاتبة والقاصة سامية العطعوط في الكتاب جاهدة إلى الإجابة على سؤالين هما لماذا يبني الإسرائيليون جدارا تلو جدار؟ وهل يهدفون إلى عزل أنفسهم أم عزل الآخرين؟ إضافة إلى كشف مواقف بعض المثقفين الإسرائيليين.
المؤلف الذي شمل الفترة من 1492 ولغاية 2019 في 142 صفحة من القطع الكبير أهدته الكاتبة إلى أبطال نفق جلبوع وأزجت لهم التحية، وقالت “تنهض العنقاء دوما من رماد وحين يسوّرون الأرض بجدار اليأس نفتح نافذة أو نحفر نفقا”.
مقاومة وأغنية
الجزيرة نت التقت الكاتبة الأردنية وسألتها هل لـ”وداعا أرض اللبن والعسل” علاقة بتصاعد المقاومة المسلحة في الضفة الغربية المحتلة أم هناك عوامل أخرى، فأجابت أن المقاومة كانت عاملا محفزا للبحث والتحري والتنقيب عمّا يحمله المستقبل.
وأضافت “عام 2014 إنتشرت على نطاق واسع أغنية إسرائيلية تقول” وداعا أرض العسل…أنا لم أولد لكي أقتل ..بعسلك يا نحلة لا تلدغيني” تدعو الإسرائيليين للهجرة بسبب الحروب المستمرة على غزة وسورية لبنان ..هذان عاملان كانا دافعا لإلتقاط الفكرة والعمل عليها بدراسات أدبية ترصد ما يحدث داخل المجتمع الإسرائيلي”.
وجاءت فكرة الكتاب ايضا عندما قرأت العطعوط عن أصغر أو أضيق بيت في العالم (50 مترا في العاصمة البولندية وارسو) وإسم الكاتب الإسرائيلي البولندي أتغار كريت وهو قاص وكاتب سيناريو فتحت له الأبواب في أوروبا وأمريكا من خلال ترجمة ونشر قصصه باللغة الإنجليزية ولغات أخرى.
لكن المفارقة أن أمة البولندية التي نجت من “الهولوكست” ورغم شهرة إبنها، قالت له” أنت كاتب بولندي يكتب بالعبرية ” وعندما ذهب ” أتغار” ليقيم لبضعة أيام في أضيق بيت في العالم بوارسو قال لأمه “أنا الآن أقيم في بيتي” وردت عليه “شهرتك في بولندا عندي أهم من شهرتك في إسرائيل” ممّا يثبت إنفصالهما وشكوكهما في استمرارية إسرائيل وأن العقلية الصهيونية تتغير من سيء إلى أسوأ وتتقلص لدرجة تدخل في هذا البيت الضيق.
العنصرية الإسرائيلية
أفردت الكاتبة فصلا كاملا عن “إتغار كريت” كنموذج للطبقة المثقفة في الكيان الإسرائيلي حيث يقول في مقابلاته مع صحف أجنبية بأنه يشعر بمعاناة الآخر الفلسطيني وفي الداخل لا يعارض سياسة كيانه بل يعتبرها سياسة اضطرارية للتعامل مع الواقع.
وحسب رأيها “هناك تناقض تعيشه الطبقة المثقفة بين ما يدركون أنه حقوق الشعب الفلسطيني ولا يجاهرون بها ضد سياسة كيانهم، ومن يقوم بذلك تنتظره حزمة من الضغوطات والمضايقات قد تدفعه للهجرة”، كما فصل تقرير سابق للجزيرة نت بعنوان “أمل مفقود وأفق مسدود.. مثقفون إسرائيليون يروون رحلة الهجرة بلا عودة”.
وتقول العطعوط أنها أعدت دراسة غطت الـ500 عام الأخيرة رصدت خلالها كيف تحولت اليهودية إلى صهيونية ومن ثمّ عنصرية شوفينية اعتمدت نفي الآخر وتناولت خروج اليهود والعرب من إسبانيا عام 1492 وإكتشاف أمريكا، حيث اتجه اليهود للدول الأقرب والمغرب بخاصة وأقاموا من خوفهم من تكرار ما حصل في إسبانيا ولجأ بعضهم إلى “ملاح” في مدينة فاس، وفي مدن أخرى تكون مشرفة على البحر، وملاح حي يهودي قديم مغلق بأسوار له بوابة أو بوابتان للدخول أو الخروج.
وحسب ما جاء في كتاب “وداعا أرض اللبن والعسل” جائت تسمية “ملاح” من صناعة الملح ويقال أيضا أن اليهود كانوا يمّلحون الجثث التي تعدم من قبل السلطان وهذا ما وثقته الكاتبة وربما هناك روايات أخرى.
وترصد العطعوط بموضوعية وحيادية حياة اليهود في أوروبا في “غيتوات” (معزل) ومطالباتهم بوجود قومية لهم بعد الثورة الفرنسية واضطهادهم هناك وهروبهم، وواقع المجتمع الإسرائيلي حاليا ومدى استيائهم من حكوماتهم المتعاقبة التي تواصل العدوان والاغتيالات التي لا تفّرق بين مقاتل وشيخ وإمراة وطفل وصحافي وأن كثيرا من الإسرائيليين باتوا على يقين بأن ” الدولة” التي حلموا بها لا ولن تتحقق ولذلك يبحثون عن الهجرة والهروب أو العودة إلى البلدان التي جاؤوا منها إلى وطن الفلسطينيين.
وتكشف القاصة العطعوط في بحثها عن أن الذين هاجروا إلى فلسطين بمساعدة الإنتداب البريطاني الذي سهّل وسلّح ودرّب لم يعيشوا مع أصحاب الأرض بل لجأوا لبناء “كيبوتس” (مستوطنة زراعية وعسكرية) و”موشاف” (قرية زراعية) وإنعزلوا وأسسوا مجتمعات صغيرة منغلقة لتعودهم على نمط حياة “الملاحات” والحارات المغلقة “غيتوات” ولكن بعد أن إرتفع عدد المهاجرين إلى فلسطين أنشأوا المستوطنات وعاشوا فيها.
عزلوا أنفسهم أم عزلوا الآخرين
ولكن ماذا حدث بعد نكبة 1948؟ تقول الباحثة أنها اكتشفت خلال مراحل دراساتها أن من استوطنوا في فلسطين لا يستطيعون العيش في إتساع ولذلك عمدوا عام 2002 إلى بناء جدار فصل عنصري هدفه ليس كما إدعوا تحقيق الأمن ومنع عمليات فلسطينية إنما الهدف الحقيقي هوعزل الآخرين في الخارج أو عزل أنفسهم في الداخل كما لو كانوا يعيشون في “ملاحات” أو “غيتوات”.
وتشير العطعوط بهذا الشأن إلى ما قاله بنحاس فاليرشتاين أحد قادة المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة وهو يقارن بين جدار “أوشفيتس” (معسكر نازي في بولندا) وجدار الفصل العنصري بقوله” جدار أوشفيتس بناه عدونا أما جدار الفصل فنحن الذين أقمناه بأنفسنا” ولذلك فالعقلية الصهيونية التي لا تستطيع الإنفتاح والتعامل مع الآخر هي في الواقع عقلية إنعزالية تعزل نفسها خلف الجدران أو في بيت ” أتغار كبريت” بحثا عن وهم الأمان من خلال نفي الآخر.
ومن هذا المنطلق والحديث لسامية العطعوط ظهرت بعض الدعوات لمواطني الكيان الإسرائيلي تحثهم على الإحتفاظ بجنسياتهم الأصلية أو محاولة إستعادتها للمغادرة في أي وقت.
وربما أهم ما توصلت له الباحثة نتائج دراسة علماء النفس الذين حاولوا تحليل الشخصية الإسرائيلية من أنها تحمل صفات إنعزالية وحب الذات ومصابة بالبارانويا وقالت “بالنسبة لي فإنني وجدت هذه الصفات تنسحب على كيانهم نفسه فالكيان بساسته ومبادئه هو المصاب بالبارانويا ومجتمعه يعاني من إنفصال الشخصية “الشيزوفرينيا”.
فكر إستعلائي
ولم يتجاهل ” وداعا أرض اللبن والعسل” المتعصبين الإسرائيليين الذين ينطلقون في أفكارهم ومبادئهم من العقلية الانعزالية التي انتهوا إليها الآن …هؤلاء يريدون نفي الآخر ولا يؤمنون بوجوده ويخططون لإقامة كيان نقي وتهجير أصحاب الأرض أو ارتكاب مذابح كما حدث عام 1948 منطلقين من فكر الصهيوني يوسف كلاوزنر الذي يقول” من غير المطلوب منّا أن نهبط هذه المرة إلى مستوى شعوب همجية بدائية ..أملنا أن نصبح السادة في هذه الأرض في وقت من الأوقات مرتكزين على التفوق الحضاري الذي يميزنا عن العرب” .
هذا الفكر الاستعلائي وفق ما رصدته سامية العطعوط تصدى للكاتب الإسرائيلي والباحث في الثقافة العربية إسحق أبشتاين الذي دعا إلى التعاون مع العرب و الاحتفاظ بحقهم في الأرض والاقتراب من ثقافتهم الإسلامية بإعتبارها ثقافة حمت اليهود على مر العصور.
وتشير المقارنات بين “الملاحات” والحارات اليهودية في الدول العربية والإسلامية وبين “الغيتوات” في أوروبا خلال القرون الماضية إلى المعاملة المتميزة في معظم الفترات التاريخية التي كان يعامل بها اليهود في العالم العربي عكس معاملتهم في دول أوروبية.
طريقان لا ثالث لهما
ومن أبرز النتائج التي توصلت لها سامية العطعوط في “وداعا أرض اللبن والعسل” أن تحرير فلسطين وحصول شعبها على حقوقه المشروعة يتم من خلال النضال والمقاومة وما أسمته “تحرير اليهودية من العنصرية الصهيونية” لذلك فلا يمكن أن تستمر العقلية العنصرية الشوفينية أو تتواجد جنبا إلى جنب مع نظام يزعم بأنه ديموقراطي.
وتردف “إنها عقلية لا تؤثر على الشعب فحسب بل تطال العقول المفكرة من فلاسفة ومؤرخين وأكاديميين وتعمل على تهديدهم وملاحقتهم لمعارضتهم سياسة الكيان وكثير منهم إختار الهجرة مثل إيلان بابيه وإيلا شوحط وشلومو ساند”.
الرواية تقدمت على القصة
بصفتها قاصة سألت الجزيرة نت الكاتبة الأردنية عن تحولات الأجناس الأدبية، فقالت إن الرواية طغت على القصة القصيرة ولكن خلال العشرين سنة الماضية عادت للتواجد من خلال صرعة القصة القصيرة جدا والأقصوصة التي اختلط فيها المنتج الجيد والأقل جودة.
وترى أن المعايير الفنية أو النقدية لم تعد واضحة لهذا الشكل القصصي الذي انتشر بشكل واسع مع وجود وسائل التواصل الإجتماعي ورغم ذلك تعيش القصة القصيرة ازدهارا مع ظهور جائزة ملتقى القصة القصيرة الذي ينظمه الملتقى الثقافي في الكويت بالتعاون مع الجامعة الأمريكية هناك ممّا قاد إلى تحريك المشهد القصصي في الوطن العربي.
وفي معرض ردها قالت العطعوط “لا نلحظ اهتماما كبيرا من النقاد بما يصدر من مجموعات قصصية جديدة ولعل جلّ اهتمامهم ينصب في معظمه على الرواية رغم ظهور جيل من القاصات يتميز بإتقان فن القصة كسحر ملص وسوار الصبيحي والدكتورة أماني سليمان وماجدة العتوم وغيرهن ويشكل موجة جديدة يتناول قضايا إجتماعية تتعلق بالمرأة”.
المرأة ومهاجرو القوارب
وأشارت لمجموعاتها القصصية وخاصة “بيكاسو كافيه” فقالت أنها تناولت قضايا المرأة وتعرضها للإضطهاد وعدم المساواة في المجتمع والعمل ومعاناة الإنسان بشكل عام .
أما في “قارع الأجراس.. أنثى العنكبوت” فقد أبحرت في موضوع الإستنساخ ففي إحدى القصص تخيلت أبا يصادف إبنه مقتولا في الشارع ولكنه لا يهتم لوجود أربع أو خمس نسخ عن إبنه.
بينما في المجموعة الأخيرة 35 قصة “كأي جثة مباركة” تناولت مشاكل مهاجري القوارب للبحث عن حياة أفضل في مكان غير وطنهم وتعرضهم للغرق والموت ودعت إلى تغيير الواقع المعاش في بلدانهم وليس الهروب بحثا عن مستقبل أفضل بالضرورة، وأضافت “لا يتصور عقلي أن يغادر الإنسان وطنه ويغامر بحياته على مركب تتلاطمه الأمواج بحثا عن وهم في مكان آخر”.
كما تدور حول الحروب الأهلية في منطقتنا وما جرّت من ويلات على شعوبها وبعض القصص تناولت ما تعانيه العائلة من أوضاع ضمن الظروف السياسية والإقتصادية ويأتي معظمها حول بحث الإنسان عن حياة أفضل.
وختمت حديثها” للجزيرة نت” بالإعلان روايتها الجديدة ” مغارة مكفيلا” التي تتحدث عن أبطال وشهداء مدينة الخليل ورام الله وغيرهما، ومجموعة قصصية بعنوان” القيّان”.