- اعتذار, اعتذار واحد لا يكفي, الاردنية, رنا ابو سليمان, رواية, سفاح, ضحاياه
- 0 Comments
- 1816 Views
عمّان- رنا زكريا أبو سليمان قاصة وروائية في ريعان الشباب أصدرت 3 مجموعات قصصية ونالت 3 جوائز أدبية أردنية وعربية، واحدة من وزارة الثقافة الأردنية عن “نساء في الزمن الصعب” والثانية جائزة البدوي الملثم للإبداع الشبابي عن كتابها “ألا توقفت لحظة هناك صرخة” والثالثة تشجيعية بمسابقة دار ناجي نعمان في لبنان عن كتابها “الإبحار في ليل الأقمار السوداوية”.
وشاركت هذه الروائية في معجم القاصين والروائيين الأردنيين ومجموعات كاتبات عربيات في كتاب نسوي مشترك “مرايا قصصية” للكاتبة إنعام القرشي ومعجم أعلام النساء الفلسطينيات.
وقبل أيام أصدرت دار الفينيق للنشر والتوزيع روايتها “اعتذار واحد لا يكفي” -التي تقع في 188 صفحة، وهي الثانية بعد “ضوضاء صيف”- وتنتمي لصنف الروايات البوليسية، وتقتحم عالم ودراما الجريمة، وقد غاصت بجرائم إنسانية يتجاهلها القانون ووظفت فيها الكاتبة أدواتها الأدبية في لعبة الحياة والموت والحب والعنف والخوف.
وبلغة شفيفة وحبكة درامية مثيرة أعربت القاصة عن شغفها بأفلام الرعب والجريمة التي صقلت مخيلتها، ولكن بأسلوب تقني مختلف، ولم تنكر قراءاتها في هذا المجال، وخاصة أغاثا كريستي، وترى أن على الكاتب أن يروي الحقيقة كاملة وينقلها بموضوعية دون أي انحياز أو خوف.
السفاح يطلب اعتذار ضحاياه
وخلال استعراض سريع بين شخوص رواية “اعتذار واحد لا يكفي” يظهر نموذج فريد من الجريمة أساسه أن السفاح يحمّل ضحاياه مسؤولية قتلهم ويطالبهم بالاعتذار، لكن لحظة إعدامه لا يتردد في طلب الحياة.
وكما جاء على لسان السفاح “أعزائي هلاّ سمحتم لي بالاعتراف جهرا لكم عن مقدار صعوبة مهمتي في اقتصاص أرواحكم القذرة، فإن كانت الروح ذات قيمة لدى صاحبها، أتعتقدون إذن بأن مهمة قتل تلك الروح مسألة سهلة لقاتلها، ألا تعتقدون كم قتلتم مقابلها من خلايا حسية كانت نابضة بالحب ومفعمة بالحياة فيما مضى، كم أنتم مدينون لي بالاعتذار فقد أوجعتم قلبي، ومنذ متى تملكون قلوبا حية كي تضنيها أوجاع الآخرين، سحقا لكم حين لوثت فكري بالاكتراث بكم أيها الأوغاد!!”.
وفي حديثها للجزيرة نت، وصفت القاصة الكتابة بأنها الميزان العادل الذي يحقق التوازن الداخلي بطرد الأفكار السلبية فـ “نحن نكتب ما نراه في الواقع.. نكتب صرخة مجتمع بقضاياه ومعاناته وأحلامه وآلامه”.
وتقول إن اللغة المكتوبة خليط بين المتكلم والمخاطب، فالبطل يروي قصته بلغته الخاصة، فتارة يتكلم عن نفسه ومعاناته وتارة أخرى يخاطب القلوب المتحجرة ويستصرخها بألم، لتجد نفسها (الكاتبة) في النهاية كأنها خارج نطاق اللعبة، مجرد آلة طابعة لبطل الرواية.
شخوص متخيلة
ولدى سؤالنا عن شخصيات الرواية، أوضحت الكاتبة أنها متخيلة وليست حقيقية “لكن سمات وطبائع الأبطال ليست من محض الخيال، فنحن نتاج مجتمع حقيقي بشخصيات متفاوتة بين الخير والشر”.
فروايات الرعب والجريمة في الأساس قائمة على التحليل البليغ والتفكير العميق، -كما تقول الكاتبة- وكلاهما يخضعان لعنصر الإثارة والغموض، ففك معضلة صعبة، والوقوف على أدلتها، والتوهان داخل دهاليز عقل المجرم وتحليله نفسياً فن بحد ذاته.
وتضيف الكاتبة “نعم قرأت لكتاب عظماء في مجال الجريمة والعقاب مثل كريستي وكولون ولسون وستيفن كينغ، هؤلاء لهم طابع خاص، وذكاء فذ، وإذا أضفت لذلك كله شغفي في متابعة أفلام الرعب والجريمة، فبالتأكيد كان لذلك كله الدور الفاعل في صقل مخيلتي بهذا الجانب، ولكن بأسلوب تقني مختلف، فلكل زمن رجاله وبيئته وثقافته، لا سيما في عصر التكنولوجيا والتطور المتسارع”.
وتضيف “الكاتب يكتب بعقل المجتمع وما يفكر به، والقضايا التي تستهويه والتعبير عن العقول البشرية المعقدة، وأجمل الكتابة هي المقدرة التامة على تفكيك تلك العقول وتوظيفها داخل بيئة روائية لتجد نفسك في النهاية تلعب لعبة عميقة تقودك إلى مغاور الغموض والإثارة”.
جرائم يتجاهلها القانون
وسألنا القاصة الأردنية عن وجود إسقاطات ربما تكون سياسية، فكان جوابها “نعم هناك كثير من الجرائم الإنسانية لا يعاقب عليها القانون، كالآلام النفسية والانتهاكات الجسدية التي يسببها المقربون إلينا، ولكن بحكم الأعراف البالية فإن جميع المتضررين يدفعون الثمن آلياً بصمتهم وخوفهم، ومن ثم تترك تلك الانتهاكات النفسية الأليمة أثراً بليغاً على العقل الباطن وتنعكس على تكوين الشخصية من حيث ثباتها أو تخلخلها، ممّا يقود لمجتمع مريض لا يستطيع أن يساير تيار الحياة المتقلبة بطبيعتها”.
فالموت والحياة من وجهة نظر الكاتبة صراع بين الوجود والعدم “صراع أزلي من أجل الخلود الأبدي وكأن الحياة هي دار البقاء، لذلك يسعى الإنسان دوماً إلى مقاومة الموت بأي طريقة تقوده إلى النجاة كفطرة إنسانية”.
فأبطال روايات هذه الكاتبة على استعداد للتنازل عن كل ما يملكونه من أجل البقاء أحياء، فتتضاءل قيمة الأشياء المادية وحتى المعنوية، وترتفع حينئذ قيمة الروح لتصبح هي الحياة الوحيدة التي يصارع الإنسان من أجلها وقيمتها تتمثل بتلك الروح الناجية.
الكتابة وأرق النوم
وترى القاصة الكتابة تنفيسا عميقا ممن لا يقدرون على البوح بما في مكنوناتهم، وكالميزان العادل الذي يحقق التوازن الداخلي، بطرد تلك الطاقة والأفكار السلبية، وتقول “كلنا بحاجة للكتابة لأنها أنجح وسيلة لراحتنا، قضاياي هي قضايا المجتمع ومعاناته وأحلامه وآلامه.. نحن نكتب ما نراه في الواقع أمامنا.. نكتب صرخة مجتمع متفاوت من حيث الديانات والأعراق والاختلافات”.
بوليسية بطابع سيكولوجي
ومن جانبه يرى أمين سر رابطة الكتاب الأردنيين الناقد محمد المشايخ أن الأديبة رنا أبو سليمان تعوّض في روايتها “اعتذار واحد لا يكفي” النقص في الساحة الأدبية المحلية تجاه أدب الجريمة، بما فيها من ألغاز القتل والغموض، وتصنف روايتها ضمن الروايات البوليسية وما يتبعها من تحقيق.
وأضاف للجزيرة نت “لقد كُتبت الرواية بوعي ويقظة بهدف تكريس الأمن والأمان والتعايش المبني على السلم الاجتماعي والعدالة والمحبة بين البشر، منتصرة لقيم الخير في مواجهة الشر واستئصال الفاسدين والمجرمين والساديين، امتلكت لهذه الغاية عدة تقنيات منها (الميتا قص) والواقعية السحرية التي تقوم على الغرائبي وتقنية تعدد الأصوات”.
ويضيف: نحن أمام رواية ذات طابع سيكولوجي نفسي في عالم الجريمة والخيال، قد بلغت جماليات سردها عندما بلغ العنف السردي لحظة قتل الظالمين والتمثيل بأجسادهم وهم أحياء.
وأشار المشايخ بهذا الخصوص إلى أن هذه الروائية نجحت في مزج قصة داخل قصة، وكأنها في بعض مشاهدها تقوم على متوالية قصصية متينة السبك واستخدامها معالجة درامية ابتكرها على الصعيد العربي الراحل نجيب محفوظ، وعلى الصعيد المحلي الراحل مؤنس الرزاز.
تجدر الإشارة إلى أن رنا أبو سليمان عضو في رابطة الكتاب الأردنيين والاتحاد العام للكتاب العرب واتحاد كتاب آسيا وأفريقيا والدولي للكتاب.