بسبب مضايقات الاحتلال والمستوطنين.. أسواق الخليل تعاني الركود

الخليل- يُعدّ متجر المسنّ الفلسطيني فتحي الجبريني (87 عاما)، الذي يعمل في التجارة مذ كان عمره 17 عاما، معلما بارزا في الشارع المؤدي إلى المسجد الإبراهيمي بمدينة الخليل، إذ يحافظ على وجوده فيه يوميا من الصباح حتى المساء، مرتديا الزي الفلسطيني التقليدي.

يجلس ابن البلدة القديمة في نهاية محله محاطا بالبضائع، وبينما يستأذنه كثير من السياح لأخذ صورة له، لا تجد بضاعته زبائن أسوة بعشرات التجار الآخرين.

فتحي الجبريني واحد من أقدم تجار وسكان البلدة القديمة في الخليل

يقول الجبريني، للجزيرة نت، إن تجارته تخسر وإنه بالكاد يوفر تكاليف المحل من رسوم وكهرباء حيث لا يبيع في اليوم سوى بـ20 شيكلا (نحو 6 دولارات)، بالإضافة إلى أنه يجب أن يسدد مبالغ متراكمة للبلدية والحكومة.

ويشير إلى أن السوق قبالة متجره مغلقة بالكامل من قبل جيش الاحتلال حيث يمتلك محلين تجاريين ولا يستطيع فتحهما.



إغلاق وركود

الجبريني واحد من عشرات التجار الفلسطينيين الذين تمسكوا بوجودهم في البلدة القديمة من الخليل رغم المضايقات وملاحقات جيش الاحتلال والمستوطنين، ومساعي الهيمنة على مزيد من المحلات التجارية، ويؤكد أنه متمسك بدكانه حتى لو مضى النهار من دون أن يبيع شيئا.

ويلمس المتجول في أسواق البلدة القديمة في ساعات الذروة، بخاصة بعد الظهر، ركودا في البيع وندرة في المتسوقين.

محمد عواودة صاحب محل للرسم بالرمل

حرفة نادرة ودخل بسيط

وغير بعيد عن متجر الجبريني، يحاول محمد عواودة جذب السياح الأجانب بكلمات إنجليزية ليطلعهم على مهاراته، ويبيعهم زجاجات الرمل الملون على شكل رسوم مختلفة.

يقول عواودة، وهو من ريف مدينة الخليل، إن حرفته نادرة وتسمى “الرسم بالرمل الملون”، ومن خلالها يحاول توفير قوت عياله ومصروف أبنائه للدراسة في الجامعة.



ويؤكد أنه يوجد في محله منذ 12 عاما، وسيبقى فيه ما دام يستطيع الوصول إليه. ويضيف “نحن هنا لمنع زحف الاستيطان، إذا غادرنا لن نستطيع العودة ثانية”.

ومن جهته، يعرض مازن سياج ألوانا وأشكالا مختلفة من الحلقوم التركي، مضيفا أنه مولود في الحارة نفسها في عام 1957 ويفتح دكانه منذ طلوع الشمس حتى غيابها.

ويقول “البلدة لها رائحة مميزة، ينبعث منها عبق التاريخ، ووجودنا هنا رباط في سبيل الله ويمنع تقدم وزحف هؤلاء (مشيرا إلى جنود يمرون من أمام محله) ويحمي أملاكنا. أما اقتصاديا فهي غير مجدية”.

ويشير سياج إلى صفائح من الحديد تغلق أحد أزقة البلدة، ويقول “هذه نقطة تماس، وخلف هذا الحاجز مئات المحلات المغلقة والأملاك المهجورة”.

ربيع زاهدة صاحب محل بقالة في الخليل

إعمار رغم الركود

سوء الوضع الاقتصادي لا يمنع المحاولة والسعي لخلق مشاريع داخل البلدة القديمة بمساعدة لجنة إعمار الخليل، وهي لجنة حكومية أعادت إعمار مئات المنازل والمحلات التجارية.

ويقول ربيع زاهدة (صاحب دكان بقالة) إن تقسيم الخليل أسهم في انتقال التجار إلى خارج حدود البلدة القديمة، مضيفا “سنعيش هنا حتى نموت، لكن من يموت من التجار لا يأتي أحد مكانه”.

ويشير إلى وعود سابقة من الحكومة بدعم التجار المرابطين لكنها لم تلتزم بذلك؛ “قدموا لنا مرة واحدة 200 دولار، ومرات أخرى 143 دولارا، لكن منذ 5 سنوات لم نتلقّ أي دعم”.



خطط التهويد

وفي البلدة القديمة يغلق الاحتلال شارع الشهداء وشارع السهلة تماما أمام الفلسطينيين، ويمنعهم من فتح مئات المحلات التجارية؛ إما بحكم الواقع والإجراءات أو بقرارات عسكرية.

وإضافة إلى العوامل المتعلقة بإجراءات الاحتلال، يتفق التجار على أن الأسواق الحديثة و”المولات” خارج البلدة القديمة استحوذت على المتسوقين، فانعكس ذلك سلبا على البلدة القديمة.

ومر إغلاق البلدة القديمة بمرحلتين: بعد مجزرة المسجد الإبراهيمي عام 1994، وبعد انتفاضة الأقصى عام 2000، وهو ما دفع التجار الأفضل حالا من حيث الإمكانات المالية إلى فتح محلات جديدة في المناطق الخاضعة للسيطرة الفلسطينية من الخليل.

وحسب الاتفاق الموقع عام 1997، تسيطر قوات الاحتلال على نحو 20% من المدينة، بينها البلدة القديمة والمسجد الإبراهيمي.

ورغم إنشاء فروع ومكاتب لعدد من الوزارات والدوائر الحكومية في البلدة القديمة لتنشيط الحركة، يطالب التجار بمزيد من البرامج والخطط لجلب المتسوقين وإحياء البلدة القديمة، وما زال الاستيطان يهدد المزيد من الأحياء.

ورغم إنشاء فروع ومكاتب لعدد من الوزارات والدوائر الحكومية في البلدة القديمة لتنشيط الحركة، يطالب التجار بمزيد من البرامج والخطط لجلب المتسوقين وإحياء البلدة القديمة، وما زال الاستيطان يهدد المزيد من الأحياء.

بؤرة استيطانية خلف البناء القديم وسط الخليل

تهويد العقارات

التضييق الإسرائيلي في البلدة القديمة من الخليل لا يمكن النظر إليه بمعزل عما ذكرته صحيفة “هآرتس” في 11 يناير/كانون الثاني الجاري.

فقد ذكرت الصحيفة أنه استنادا إلى اتفاق الائتلاف بين حزبي الليكود والصهيونية الدينية، تسعى الحكومة الإسرائيلية إلى نقل ملكية بعض العقارات في الضفة إلى ورثة يهود كان يمتلكونها قبل النكبة عام 1948، وبينها عشرات المباني في مدينة الخليل.

وتقول بلدية الخليل إن الحديث يدور عن 70 منزلا أو عقارا لكنها غير واضحة بالنسبة للبلدية، لأن الاحتلال يغلق عشرات المحلات ومئات المتاجر ويمنع الوصول إليها.

وأضاف عضو مجلس بلدية الخليل عبد الكريم فراح، في حديثه للجزيرة نت، أن البلدية وبالتعاون مع لجنة إعمار الخليل تتولى الجانب القانوني لمواجهة القرار الإسرائيلي، إضافة إلى ضغط على المستوى السياسي.

وأشار إلى تشكيل لجنة من البلدية لبحث كيفية تعزيز صمود سكان البلدة القديمة، ومن ذلك تقديم إعفاءات من الرسوم والضرائب تصل إلى 100% للفئات الأكثر تضررا.



وقال إن المسؤولية مشتركة مع الحكومة بخصوص تلك المنطقة، مضيفا أن تخفيض الأسعار للمستهلك قد يسهم في استقطاب المتسوقين، على أن تتحمل الحكومة الفارق عن السوق.

فصل عنصري

ووفق منظمة “بتسيلم” الحقوقية الإسرائيلية، ينتشر نحو 700 مستوطن في البلدة القديمة، بينما يوجد نحو 7 آلاف فلسطيني في أماكن متاخمة لمنازل المستوطنين والشوارع التي يستخدمونها.

وتقول المنظمة، في ملف خاص بالخليل على موقعها الإلكتروني، إن السلطات الإسرائيلية تتبع في هذه المنطقة “نظامًا يقوم علنًا وصراحة على مبدأ الفصل”، مشيرة إلى 21 حاجزًا مأهولا بالجنود، و65 عائقا ماديا، إضافة إلى عشرات نقاط المراقبة ومئات الكاميرات التي تستهدف الفلسطينيين.

وبُنيت أسواق البلدة من الخليل بطراز عمارة إسلامي يعود إلى العصرين المملوكي والعثماني، وفي نهايتها يقع المسجد الإبراهيمي وقبر نبي الله إبراهيم الخليل عليه السلام.