- الانتحار, الحبس المنزلي, بسام الرجبي, عقوبة
- 0 Comments
- 1531 Views
القدس المحتلة- في حديث طويل بمنزله، لم يبتسم الفتى بسام الرجبي سوى مرة واحدة عندما أفصح عن أمنيته المستقبلية بأن يكون معلما لمادتيْ التاريخ والجغرافيا في إحدى مدارس القدس. لكن عقوبة الحبس المنزلي “المفتوح” التي يخضع لها منذ نحو شهرين قد تحرمه من تحقيق ذلك وخاصة مع منعه من التوجه إلى مدرسته.
وتُعد عقوبة الحبس المنزلي، لفترة غير معلومة، واحدة من أكثر العقوبات التي يواجهها القاصرون في القدس حتى انتهاء المداولات والإجراءات القانونية للقضايا التي يعتقلهم الاحتلال الإسرائيلي بناءً عليها.
وينتظر الأهالى بادئ الأمر بلهفة الإفراج عن أبنائهم بشرط الخضوع للحبس المنزلي ظنّا منهم أن وجودهم بينهم هو الخيار الأكثر أمانا. لكن مع مرور الوقت تتحول هذه العقوبة إلى كابوس حقيقي يدفع بعض الأهالي إلى تفضيل خيار السجن الفعلي بدلا منها.
تحقيق وسجن فِعلي وحبس منزلي
في بلدة بيت حنينا بالقدس المحتلة، زارت الجزيرة نت منزل الوالدين أيمن ونواهد الرجبي اللذين يخضع نجلهما الأكبر بسام (16 عاما) لعقوبة الحبس المنزلي بعد قضائه 46 يوما متنقلا بين مركز تحقيق المسكوبية وسجن الدامون والمحاكم الإسرائيلية.
وتوقف الزمن بالنسبة للأب في اللحظة التي اقتحمت فيها عناصر من المخابرات والشرطة الإسرائيلية منزله، واندفعت نحو غرفة ابنه وسحبت عنه الغطاء بوحشية لتخبره أنه معتقل.
وحدث ذلك فجر الأربعاء 12 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وحينها شعر أيمن بعجزه كأب عن حماية طفله الذي لم ينم منذ ولادته خارج المنزل ولم يبتعد عن حضن والديه يوما.
مكث بسام في زنازين مركز التحقيق 18 يوما، وتعرض خلالها للتعذيب الجسدي والنفسي. وبكى أمام القاضي خلال جلسة المحكمة وقال له “يعصّب المحققون أعيننا ويضربوننا بشكل مبرح”. والتفت بسام لوالده آنذاك متوسلا ليخرجه من الجحيم الذي لم يقوَ جسده النحيل على تحمله.
وصف أيمن تلك المشاهد بالقول “اختنقتُ وشعرت أن روحي ستخرج من جسدي وأنا أرى ابني مكبلا ومرهقا ولا يدرك ما يدور حوله”.
اتُهم بسام و5 قاصرون آخرون بـ “المشاركة في أعمال شغب والإضرار بمركبة إسرائيلية بدوافع قومية..” وفق ادعاء النيابة العامة الإسرائيلية.
المنزل تحوّل إلى سجن
وفق فراس الجبريني محامي الفتى الرجبي، كان لافتا الإصرار على تمديد اعتقال الفتية وعرضهم على المحاكم وتقديم النيابة العامة استئنافا على قرار الإفراج عنهم إلى المحكمة الإسرائيلية العليا، دون الالتفات للمحددات القانونية الخاصة بالتعامل مع القاصرين.
ويرجح المحامي أن تمتد عقوبة الحبس المنزلي التي يخضع لها بسام إلى 8 أشهر أو يزيد، في حين لا تزال مدة عقوبة السجن الفعلي التي سيخضع لها هذا الفتى ورفاقه مجهولة.
و”لم يخرج بسام كما دخل” قالت والدته نواهد التي لاحظت بمجرد تحرره ظهور مشكلة “رمش العين المفرط” لديه واضطرابات حادة في النوم تمثلت ببقائه مستيقظا حتى الخامسة صباحا (الوقت الذي اعتقل به) ثم النوم بعد الاطمئنان من عدم اقتحام المنزل واعتقاله ليلا.
تقول والدته “تراجع إقباله على التعليم، ويميل أحيانا إلى العزلة، وبات مدمنا على الألعاب الإلكترونية”. إلى جانب عادات أخرى لاحظتها الأم على ابنها الذي قال إن الاعترافات انتزعت منه تحت التعذيب الجسدي والنفسي، مؤكدا عدم ارتكابه أيا منها.
ويتمنى بسام ألا تطول مدة العقوبة التي يخضع لها حاليا. وخلال حديثه عن هذه التجربة صمت للحظات ثم قال “إذا كانت عقوبة السجن الفعلي حتمية فأفضّل أن أخرج من الحبس المنزلي إلى السجن الآن.. لا أريد أن أبقى سجين منزلي أكثر من ذلك”.
تحطيم العائلة
يقول رئيس لجنة أهالي الأسرى المقدسيين أمجد أبو عصب إن فترة عقوبة الحبس المنزلي لا تُحتسب من مدة عقوبة السجن الفعلي، مما يضاعف معاناة الوالدين وأبنائهم الذين لم يتجاوزوا فترة الطفولة.
وفي حديثه للجزيرة نت، تحدّث أبو عصب عن تصاعد وتيرة هذه العقوبة منذ عام 2014 بُعيد استشهاد الطفل محمد أبو خضير والهبّة الشعبية التي اندلعت في القدس احتجاجا على حرقه حيّا.
ووصف الحبس المنزلي بالعقوبة الخبيثة والمسمومة التي يظن الأهالي أنها أخف وطأة عليهم وعلى أطفالهم، لكن في الواقع هدفها الأول تحطيم نسيج العائلة المقدسية عبر تحويل المنزل إلى سجن والأهل إلى سجانين، بعد إيداعهم مبالغ مالية ضخمة في صندوق المحكمة لضمان تطبيق شروط الإفراج عن أبنائهم بمراقبتهم كسجانين في المنزل على مدار الساعة.
واستهدفت سلطات الاحتلال كافة شرائح المجتمع المقدسي بهذه العقوبة، لكن أبو عصب يؤكد على استهداف فئة الأطفال بشكل كبير في محاولة لتجهيلهم في ظل الغياب القسري عن المدارس والتأثير العميق على صحتهم النفسية.
ويقول أبو عصب “يطل الأطفال من نوافذ منازلهم فيشاهدون أبناء الحي يتجهون إلى المدارس وهم عاجزون عن ذلك، وعند العودة إلى الدراسة يلتحقون بصفوف من هم أصغر منهم بسبب خسارتهم سنتين دراسيتين على الأقل، وهو ما يحبطهم ويدفعهم للتسرب من المدارس”.
اضطرابات نفسية وجسدية
مع مرور الوقت، يعاني الكثير من الأطفال المحبوسين منزليا من العزلة والعدوانية واضطرابات في النوم، إلى جانب تأثيرات جسدية أحيانا كتساقط الشعر والتبول اللاإرادي. كما حاول عدد منهم الانتحار في مسعى للتخلص من رتابة الروتين اليومي.
والفتى الرجبي واحد من 214 مقدسيا فرضت عليهم عقوبة الحبس المنزلي خلال عام 2022 وفقا لبيانات محافظة القدس، وبانتظار إغلاق ملفه القضائي عبّر الفتى عن أكثر ما يقلقه قائلا “أنا خائف من المستقبل المجهول”.
