هل يعود الهوس العالمي بالسينما ثلاثية الأبعاد؟

  • فن

على الرغم من أن نجاح “أفاتار” أعطى الأمل لعصر مشرق من صناعة الأفلام ثلاثية الأبعاد، وكان ملهما لسيل من الأفلام التي استخدمت التقنية ذاتها في أوائل العقد الأول من القرن الـ21، فإن القليل من صانعي الأفلام يمتلكون رؤية جيمس كاميرون الطموحة

بدأ عام 2023 بعدد من الأفلام التي تطرح تساؤلا قديما: هل يعود الهوس بالسينما ثلاثية الأبعاد؟ ليس فقط على الصعيد العالمي، بل العربي أيضا، ولا سيما المصري.

عالميا، وعلى الرغم من تراجع جاذبية السينما ثلاثية الأبعاد، أمضى المخرج والمنتج جيمس كاميرون أكثر من عقد كامل بموازنة تقترب من نصف مليار دولار في التكنولوجيا ثلاثية الأبعاد لإنتاج الجزء الثاني من فيلم “أفاتار” الذي يحمل اسم “أفاتار: طريق الماء” (Avatar: The Way of Water). وكان الفيلم، في جزئه الأول، الأعلى تحقيقا للأرباح في تاريخ السينما، بإيرادات بلغت 2.85 مليار دولار.

على الخطى ذاتها، ظهر في مطلع العام الجاري أول فيلم روائي مصري ثلاثي الأبعاد، يحمل اسم “يوم 13”. وهو من تأليف وإخراج وإنتاج وائل عبد الله، وبطولة أحمد داود ودينا الشربيني وشريف منير.

وانتهى قبل عامين تصوير فيلم “يوم 13” الذي ينتمي إلى أفلام الرعب، لكن إصداره تأخر بسبب الوقت الذي استغرقه صانعوه في أعمال المؤثرات البصرية.

https://www.youtube.com/watch?v=7Ca5zBxsmAU

البداية

بدأت الحكاية قبل قرن، وتحديدا في سبتمبر/أيلول 1922، حين شاهد الجمهور أول فيلم ثلاثي الأبعاد. كان اسمه “قوة الحب” (The Power of Love)، واستخدم صانعوه تقنية النقش لإيجاد وَهْم الصورة العميقة.

سُجّل الفيلم وعُرض بلونين منفصلين، هما الأحمر والأخضر، واستُخدمت لمشاهدته نظارات ملوّنة بالألوان ذاتها. تبعت ذلك عقود من التجارب، لكن الأمر لم ينجح بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج.

وشهدت الأفلام ثلاثية الأبعاد انتعاشا قصيرا في خمسينيات القرن العشرين، بعدما أحيا مديرو الأستوديوهات الإنتاجات الضخمة لجذب الجماهير مرة أخرى إلى الشاشة الكبيرة عقب ظهور التلفزيون.



واكتسبت الصناعة قوة مرة أخرى في الثمانينيات مع ظهور (IMAX 3D) والمتنزهات الترفيهية التي تضم عوامل جذب ثلاثية الأبعاد تعتمد على أفلام ناجحة، مثل “الدمية” عام 1991 (Muppet*Vision 3-D)، و”عزيزي لقد قلصت الجمهور” عام 1994 (Honey, I Shrunk the Audience) و”معركة عبر الزمن” 1996 (T-2 3D: Battle Across Time).

ما بعد “أفاتار” وما قبله

كان الجزء الأول من فيلم “أفاتار” سببا رئيسا في إنعاش صناعة السينما ثلاثية الأبعاد بعد إطلاقه في عام 2009. أمضى جيمس كاميرون، الذي يقف وراء عدد من أكبر أفلام هوليود، مثل “تيتانيك” (Titanic) و”المبيد” (The Terminator)، 4 سنوات في العمل مع خبراء لتطوير تقنيات جديدة جعلت بيئة تصوير فيلم “أفاتار” أمرا ممكنا، وذلك بتكلفة تراوحت بين 280 إلى 310 ملايين دولار.

استمر عرض فيلم الخيال العلمي الفائز بجائزة “أوسكار” في بعض دور العرض لمدة 234 يوما، إذ ترددت الجماهير على الصالات لوقت طويل للعيش داخل عالم “باندورا”.



على الرغم من أن نجاح “أفاتار” أعطى الأمل لعصر مشرق من صناعة الأفلام ثلاثية الأبعاد، وكان ملهما لسيل من الأفلام التي استخدمت التقنية ذاتها في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، فإن القليل من صانعي الأفلام يمتلكون رؤية كاميرون الطموحة للفنون، والتي تغذيها التكنولوجيا، إذ شهد الاندفاع الذي أعقب “أفاتار”، إنتاجات رديئة مدفوعة بوعود بأرباح كبيرة، بينما تمكنت شريحة صغيرة من الأفلام الثلاثية الأبعاد، مثل فيلم “هوغو” (Hugo) لمارتن سكورسيزي وفيلم “جاذبية” (Gravity) لألفونسو كوران وفيلم “حياة باي”(Life of Pi) لأنغ لي، من استخدام التكنولوجيا ببراعة.

وكان من المقرر أن يصدر الجزء الثاني من الفيلم في 2014، لكنه استغرق 8 أعوام إضافية لانشغال كاميرون بكتابة 4 أجزاء في الوقت ذاته. أعاد الفيلم، الذي يحتاج إلى تحقيق إيرادات بنحو ملياري دولار لتحقيق أرباح، إلى الواجهة نقاشات ساخنة حول فرص إنعاش صناعة السينما ثلاثية الأبعاد مرة أخرى.

التكنولوجيا الحديثة جزء أصيل في أفلام كاميرون، مع تصميم كل لقطة فيه لتناسب التنسيق ثلاثي الأبعاد، إلا أنها جاءت غالبا أفكارا مقتبسة في أفلام لاحقة. كان العديد من هذه الأفلام عبارة عن مزيج من التكنولوجيا ثنائية الأبعاد الموجودة مسبقا، والتي جرى تحويلها بطريقة رديئة إلى ثلاثية الأبعاد في مرحلة ما بعد الإنتاج، وغالبا ما كانت تتميز بخلفيات ضبابية وتعطي التنسيق مظهرا سيئا في هذه العملية.



ثمن باهظ

سرعان ما أدرك محبو السينما، وهذا النوع من الأفلام تحديدا، أنهم “يدفعون ثمنا باهظا مقابل منتَج رديء”، فضلاً عن تجربة المشاهدة السيئة بسبب النظارات الضيقة غير المريحة لكثيرين، فتراجعت الصناعة بحلول منتصف عام 2010. ومع تضاؤل الطلب، تراجع عدد الإصدارات الثلاثية الأبعاد وشهية أستوديوهات الأفلام.

أنعش إصدار الجزء الجديد من “أفاتار” هذه الصناعة مجددا، محققا أكبر حصة من مبيعات تذاكر هذا النوع من الأفلام منذ فيلم “حرب النجوم: صحوة القوة” (Star Wars: The Force Awakens) في عام 2015، بحسب موقع “ديدلاين” الذي أشار إلى أن 79% من أكثر من 4 آلاف من مشتري التذاكر، الذين شملهم الاستطلاع، يرغبون في مشاهدة مزيد من الأفلام ثلاثية الأبعاد.

حقق الفيلم الجديد 434.5 مليون دولار على مستوى العالم في عطلة نهاية الأسبوع الافتتاحية، مسجلا ثالث أعلى دخل في عطلة نهاية أسبوع يحققها أي فيلم من أفلام هوليود عالميا خلال حقبة ما بعد الجائحة.

جاءت المبيعات أقل قليلا من 450 مليون دولار التي كان من المتوقع أن تتجاوزها في عطلة نهاية الأسبوع الأولى، ويُعزى ذلك جزئيا إلى معركة الصين مع طفرات “كوفيد-19”. وفيما تلامس الإيرادات العالمية للفيلم في شباك التذاكر المليار دولار، فإنه لا يزال رقما “ضئيلا” مقارنة بالجزء الأول الذي جمع نحو 3 مليارات دولار من شبابيك التذاكر حول العالم.

عرب على الطريق

تأخرت الخطوة العربية كثيرا، لكنها استلهمت كل التأثير الذي خلّفته السينما ثلاثية الأبعاد حول العالم. فهل سيظهر الإنتاج العربي بالشكل ذاته الذي خرج منه الإنتاج العالمي؟ بالطبع سيصبح الفارق واضحا نتيجة محدودية التكاليف عموما، علما بأن المملكة العربية السعودية تشارك هذا العام في صناعة فيلم خيال علمي بالاعتماد على متخصصين عالميين في المجال تحت مظلة فيلم سعودي لم يُعلن عنه بعد.

هذه الأفلام على المستوى العالمي والمحلي تثير تساؤلا مشروعا حول عودة الهوس إلى صناعة الأفلام ثلاثية الأبعاد التي تقدم للجمهور صورة خيالية لن يجدها خارج السينما طبعا، وربما تصلح لإعادة الجمهور ذاته الذي يبدو أن قدمه أبطأت خطاها نحو السينما جراء جائحة كورونا وما تبعها من “توحّش” منصات العرض الرقمي.



administrator

اترك تعليقا