بدأت قبل الغزو الإيطالي وتعرضت للإهمال.. محاولات لإحياء السينما الليبية المنسية منذ السبعينيات

طرابلس- منذ عقود طويلة والإنتاج السينمائي الليبي في وضع الركود نتيجة عدة عوامل، لعل من بينها أن الفنون والآداب كانت آخر سلم اهتمامات الدولة.

ويعود تاريخ السينما الليبي لحقبة الاحتلال الإيطالي عشرينيات القرن الماضي، أما أول دار عرض للفن السابع فهي سينما “توغراف باب البحر) بطرابلس والتي اتخذت من قوس ماركوس مدخلا، وكان ذلك عام 1908، قبل الغزو الإيطالي، أي بعد 13 عاما من تاريخ اختراعها عام 1895.

واحتضنت طرابلس -المعروفة باسم “عروس البحر”- فترة ازدهارها نحو 20 دار عرض سينما، إلا أنها معظمها تعرضت للتلف أو جرى تحويلها لمقرات عسكرية أو هدمها وإقامة محال تجارية مكانها.

دار عرض للفن السابع مهجورة بالعاصمة طرابلس

إهمال ومحاولات إحياء

ليبيا كانت من بين الدول التي افتتحت دار عرض في وقت مبكر، حيث إن السينما جزء من تاريخ طرابلس وذاكرتها ولا يزال الكثيرون شغوفين بها ومدركين للقيم التي تقدمها للحياة العامة، ولكن بعد انقلاب معمر القذافي عام 1969 أصبح الإهمال يطال صالات السينما بعدما رأى فيها باباً للغزو الثقافي.

ويخشى صناع الأفلام في ليبيا فقدان مقار دور العرض المتبقية مما دفع المخرج الوطني سامر العامري رفقة مجموعة من أصدقائه لإحيائها وفتح منظمة مجتمعية تهدف إلى نشر الثقافة السينمائية، ودعم وتشجيع صنّاع الأفلام الشباب في البلاد.



ويقول العامري “كوني خريج المعهد العالي للفنون عندما أردت أن أخوض التجربة في سوق العمل لم أجد مجتمعا خاصا بالأفلام، ونظرا لشغفي وحبي لهذه الصناعة خاصة أن ليبيا غنية تاريخيا بالسينما ولم تكن حديثة بهذا المجال، وهذا ما جعلني أطلق هذه المبادرة”.

جمهور يشاهد فيلم في فعالية لمؤسسة ليبيا للأفلام لعدم وجود دور عرض في البلاد

وأضاف رئيس المؤسسة للجزيرة نت “نحن اليوم بحاجة لعشرات المبادرات حتى يكون هناك مجتمع حقيقي حديث لإنتاج أفلام سينمائية تليق بالمستوى الدولي.. للأفلام دور كبير في إرسال السلام والمصالحة لأنك تستطيع مخاطبة أغلب فئات المجتمع في كل مكان”.

وفي إشارة إلى أن معظم الدور المتبقية مغلقة ولعدم توفر دور عرض، يقول العامري “لهذا نتجه لعرض الأفلام في أماكن مغلقة أو مساحات عمل، أو عرضها على وسائل التواصل حتى نصل إلى أكبر عدد من المواطنين وإيصال رسالة مفادها: كفانا حروبا فلنتجه لصناعة الأفلام”.

مبنى سينما النصر التي كانت أحد أهم معالم مدينة بنغازي

وقد أطلقت هذه المؤسسة دليل صنّاع الأفلام، وهو بمثابة قاعدة بيانات مخصصة لصُنّاع الأفلام والعاملين في المجال السينمائي يساعدهم على التعرف والوصول إلى بعضهم بعضًا بسهولة.



ويأمل العامري ورفاقه في التفات المسؤولين لإعادة الحياة إلى الشاشة الكبيرة، ويبدو متفائلا فيقول “هذه المجموعة الصغيرة من المتحمسين يمكن أن تعيد الحياة إلى شاشات السينما الليبية”.

شارع أول سبتمبر في طرابلس الغرب

صعوبات فنية ومالية

من جانبه، يقول المخرج مهند الأمين إن العمل السينمائي ما يزال تحت التطوير والطريق طويلة جدا “فتجربتي في الإخراج مازالت قائمة. إنتاج فيلم قصير ما هو إلا خطوة مبدئية للعمل على مشاريع الأفلام الطويلة والأعمال الأخرى”.

وتابع الأمين للجزيرة نت “في فيلمي الروائي القصير الأول كانت التجربة في تونس، ومن بين أهم الصعوبات تجميع الدعم اللازم للإنتاج وهي عملية استغرقت أكثر من سنة حتى استكمال القيمة المطلوبة”.

عرض فيلم في العاصمة طرابلس

وعن سبب اختياره تونس، أفاد بأن أكبر صعوبات الإنتاج في ليبيا هو الوضع الأمني وصعوبة تجهيز تصاريح التصوير، ونظرا لقلة الإنتاجات الفنية فلم يكن هناك وعي حقيقي بثقافة تصوير الأفلام وقلة عدد الكفاءات في تخصصات (إدارة الإنتاج، تصميم الديكور، الإضاءة السينمائية، التصوير السينمائي).

بدوره يقول المخرج محمد مصلي إن المطلب الأساسي أن تضع الحكومة الشخص المناسب، بهيئة السينما والمسرح والفنون التابعة للدولة، كي يقوم بواجبه تجاه هذا القطاع، وأن يستطيع إحياء دور العرض السينمائية المتبقية بدلاً من هدمها، لتساهم في عملية الإنتاج وتكوين ثقافة المشاهدة الغائبة منذ سنوات طويلة.



وعن قلة المشاركات الخارجية، يقول إن إجراءات الحصول على التأشيرات الأوروبية للمشاركة بالمهرجانات والمسابقات الدولية تقف حجر عثرة أمام صناع الأفلام للمشاركة بأفلامهم القصيرة التي عملوا عليها بجهودهم الخاصة.

جانب من تصوير فيلم “طريق العودة إلى تاورغاء” للمخرج محمد مصلي

حقبة غنية

وقد بدأ الفن السابع رسميا عام 1968 عندما تم استيراد جميع المعدات السينمائية من معامل وكاميرات تصوير وإضاءة وصوت وآلات مونتاج، الأمر الذي جعل ليبيا فعليا من الدول التي بإمكانها أن تكون إحدى العواصم السينمائية العربية.

واستطاع المخرج الليبي عبد الله الزروق إخراج فيلمه الأول “الأملاك المستردة” عام 1971 وكان تسجيليا، وبعد عام واحد تمكن من إخراج أول فيلم روائي في تاريخ السينما الليبية وهو “عندما يقسو القدر” من إنتاج الشركة الليبية للإنتاج السينمائي آنذاك، وعام 1973 صدر قرار إنشاء المؤسسة العامة للسينما وأصبحت أول إعلان لقيام السينما الليبية.

يقول الزروق مخرج ليبيا الأول للجزيرة نت “كنا نعتقد أن الحلم تحقق وأنه ستكون هناك سينما ليبية فاعلة شأنها شأن الدول العربية الأخرى، ولكن الخطاب السياسي وتسلط فكر الدولة تسبب في خسارتنا للمكانة التي كنا نبغيها”.

وأضاف أن الوضع تغير فترة الثمانينات قليلا، فقام بإخراج مجموعة من الأفلام الروائية مثل (معزوفة المطر، أحلام صغيرة، السيرة الذاتية، بائع السجائر، وغيرها) ووصل عددها إلى 21 فيلما.



واستطرد بأنه بعد ذلك توقفت السينما رسميا عام 2003 وتم تسريح جميع فنانيها وتنسيبهم إلى جهات أخرى ليست ذات صلة، وأغلقت جميع دور العرض بجميع المدن، رغم أن ليبيا لديها مجموعة من المخرجين المهمين الذين حققت أفلامهم نجاحات كبيرة وحصلوا على جوائز في مهرجانات عربية وعالمية.

وبعد ثورة فبراير/شباط 2011 تشكلت الهيئة العامة للسينما والمسرح والفنون، ومنذ إنشاء كلية الفنون والإعلام والمعاهد العليا للفنون يأمل الفنانون أن تخرّج الصروح التعليمية دماء جديدة لأنها قادرة على إعادة الحياة للسينما الليبية.



administrator

اترك تعليقا