- حصان الدراما الرابح, ماجد الكدواني, مارد الكوميديا
- 0 Comments
- 1396 Views
لا يحتاج ظهوره على الشاشة أي تمهيد لتتأكد أنك ستعيش حالة مفعمة بالبهجة والمتعة والصدق، ربما ترتبك مشاعرك قليلا كمشاهد عندما تتوقع لحظات من الضحك المتفجر من إيماءاته أو تعبيراته الكوميدية التلقائية، فتجد أنه سرعان ما تسلل إلى قلبك من خلال دور درامي بسيط أو شخصية شريرة تحرك الأحداث ولو بمشاهد قليلة.
إنه ماجد الكدواني الذي استطاع أن يصنع لنفسه سباقا خاصا بين أبناء جيله، نجح في أن يرسي قواعده ويفوز فيه بالمركز الأول، في لعبة بعيدة عن صراعات البطولة وإيرادات شباك التذاكر.
كان يمكن للكدواني أن يظل بطل الدور الثاني أو الممثل المساعد على مدار ربع قرن مضى، أو ما يطلق عليه “سنيد” البطل الذي يمهد له الطريق ليلقي “إفيهاته” وينتظر الفتات في مشهد يستأثر فيه البطل بمعظم الحوار، لكن الكدواني استطاع أن يختطف الكاميرات، ويخرج من جعبته كل مرة مشاهد لا تنسى.
ربما أخطأ الكدواني في بعض الاختيارات، إلا أنه صنع رصيدا مناسبا في قلوب الجماهير لتمحي تلك الإخفاقات تلقائيا، ويطفو على السطح أدوار فريدة لفنان بدرجة مارد، يحقق أمنيات المشاهدين في الكوميديا والدراما، فلا يملكون سوى التعبير عن إعجابهم بما قدمه.
“مبحبش المفاجآت” كانت تلك هي الجملة التي لازمت شخصية “إبراهيم” في مسلسل “موضوع عائلي” الذي عرض على منصة شاهد، وختمت أحداثه مؤخرا بنهاية حملت الكثير من المفاجآت والمشاعر والبكاء أحيانا.
ورغم الإشادة بالحلقتين الأخيرتين من الموسم الثاني من مسلسل “موضوع عائلي” فإن النجم الكدواني هو من تصّدر محركات البحث سواء على فيسبوك أو تويتر بسبب الأداء شديد الصدق والحساسية الذي قدّمه خلالهما.
بكاء جماعي
على مدار العشر حلقات الأولى، تفاوتت الآراء بخصوص “موضوع عائلي 2” فمن جهة تفوق الموسم الأول على الثاني دراميا، ومن جهة أخرى اعتمد العمل على الكوميديا التي احتكرتها عائلة “رمضان حريقة” فيما جاء أداء الكدواني عاديا بشكل مُخيّب للآمال، إذ ظل المشاهد في انتظار حالة الضحك التي أحدثها الجزء الأول قبل شهور.
لكن، يبدو أن المخرج أحمد الجندي حشد كل طاقات الكدواني الفنية والدرامية للحلقات الأخيرة، التي استطاع خلالها الوصول إلى قلوب المشاهدين، حد حالات البكاء الجماعية التي أكدها غالبية رواد منصات التواصل.
برع الكدواني (الذي يقوم بدور إبراهيم في المسلسل) بالتعبير عن مشاعره بخصوص مرضه ووقوفه على حافة الموت، تلك المشاعر التي حاول تجاهلها وإخفاءها طوال الموسم، وفجأة انفجرت على الشاشة، عبر عدة مشاهد، سواء بينه وبين والدته حين أعلن لها عن مرضه وشوقه لطفولته الآمنة المطمئنة.
وكذلك في مناجاته مع الله، واعترافه له بالضعف والحيرة والتيه، والرغبة بالهداية للاختيار الصواب، مع التأكيد على الرضا بالابتلاء الجاثم على صدره، وأخيرا بينه وبين شقيقته التي عرّى أمامها وجعه تماما، واعترف بخوفه الإنساني والمشروع من الموت.
من الضحك الخالص للدراما الثقيلة
رحلة طويلة وشاقة وغير متوقعة خاضها الكدواني طوال مسيرة فنية تجاوزت ربع قرن، بدأ مشواره بأدوار كوميدية خفيفة، لم تعتمد على “الإفيه/إلقاء النكات” المباشر وإنما خفة ظل مستترة وتلقائية، سلطت الضوء عليه، رغم أنه لعب معظم الوقت أدوارا ثانوية أو صغيرة نسبيا كما هو الحال بأفلام مثل “حرامية في كي جي تو، حرامية في تايلند، عسكر في المعسكر”.
وحين قرر المنتجون منحه الفرصة للبطولة المبكرة عام 2005 بفيلم “جاي في السريع” لم يحقق الكدواني النجاح المطلوب في شباك التذاكر، وسرعان ما عاد للمقاعد الخلفية التي استطاع أن يترك خلالها بصمة متفردة.
وبخطوات حثيثة، عبر مشاهد قليلة لكن خالدة، بأفلام مثل “الرهينة، كباريه، الفرح” خطى الكدواني خطواته الأولى التي عكست قدرته على تقديم شخصيات وإن غلب عليها الكوميديا، لكن لديها ما تخفيه من وجع وراء النكات وقناع المرح واللامبالاة.
ومع أنه عاد بعدها مرة أخرى للأعمال الكوميدية مثل “طير أنت، لا تراجع ولا استسلام” لكن الجمهور والأهم المخرجون كانوا قد شهدوا باب المغارة الذي يخفي خلفه موهبة تنتظر من يكتشفها وانتهى الأمر، وهو ما ترتّب عليه بالتبعية مُنحه أدوارا ثقيلة وكبيرة بأفلام مثل “678، أسماء، ديكور، قبل زحمة الصيف”.
ضيف شرف برتبة بطل
وبدلا من البحث عن البطولة المطلقة، والسعي وراء كتابة اسمه أولا على الأفيش والتترات، فوجئ الجميع بالكدواني وقد بدأ مرحلة جديدة بدأت عام 2015 من خلال مسلسل “تحت السيطرة” تلاه “هيبتا: المحاضرة الأخيرة” و”شيخ جاكسون”.
وهي مرحلة ضيف الشرف الذي لا يظهر على الشاشة سوى لحظات قصيرة للغاية وربما غير أساسية مقارنة بطول العمل وأدوار باقي الشخصيات، ومع ذلك تظل مشاهده عالقة بالذهن، يتذكرها الجمهور حتى بعد مرور سنوات طويلة.
وعام 2018، فاجأ الكدواني جمهوره بدوره في فيلم “تراب الماس” الذي شاركه بطولته آسر ياسين ومنة شلبي وإياد نصار، وخلاله جسّد دور العقيد “وليد سلطان” بالأمن الوطني. ومع أنها لم تكن المرة الأولى التي يلعب بها دور ضابط شرطة، لكن أداءه جاء مختلفا، إذ جمع بين الجدية والصرامة والقسوة مع بعض الغموض والكثير من الفساد.
وبعد عام، صدر مسلسل “نمرة اتنين” الذي يمكن اعتباره نقلة درامية أخرى بتاريخ الكدواني، حيث قدّم “فرق توقيت” وهي إحدى حلقات المسلسل الذي جاءت حلقاته منفصلة كدراما وأبطال.
وشاركه البطولة شيرين رضا، ولعب خلالها دور سائق سيارة أجرة يقل فنانة مشهورة إلى المطار. وأثناء الطريق والرحلة التي لم تتجاوز الساعة والمكان المحدد الذي جمعهما سويا، يسترجعان ذكريات الطفولة والماضي وحكايات وإن مضى عليها عشرات السنوات، مازالت ذات أثر منقوش.
الفنان الأب
المرحلة الأخيرة التي نعاصرها مع الكدواني، حاليا، هي أدواره كأب ينقل حكمته وإنسانيته، بهدوء وخفة ظل، إلى أولاده ومن حوله، محاولا النجاة بهذا العالم المخيف جدا والمتطور يوما بعد آخر برتم أسرع من قدرتنا على التصور، وهو ما قدمه حتى الآن بموسمي مسلسل “موضوع عائلي” وفيلم “فضل ونعمة”.
في النهاية، يمكن القول إننا أمام مشوار طويل ومتجدد ومميز، تجاوز 25 عاما ومازال مستمرا، أبدع خلاله هذا النجم المصري (الكدواني) الذي أثبت بلا شك أن الفنان الحقيقي قادرا على التلوّن كالحرباء، والتحوّل من لون إلى آخر، بين الدراما والكوميديا والتراجيديا وغيرها، دون أن يفقد في أي مرة أيا من “كاريزمته” أو صدقه وتلقائيته.