- البالغين فقط, بابل, تصنيف, قصة مكررة, لا لا لاند, مخرج
- 0 Comments
- 1790 Views
مع نهايات عام 2022، بدأ عرض فيلم منتظر بشدة وهو “بابل” (Babylon) للمخرج داميان شازيل، وبطولة براد بيت ومارغو روبي ودييغو كالفا، وتأخر عرضه في بعض البلدان حتى منتصف يناير/كانون الثاني الجاري.
أسماء نجومه واسم مخرجه، جعلا الكثيرين يظنون أنهم أمام تحفة سينمائية يرتبط اسمها بالعام 2022 كواحد من أهم أفلامه، ولكنه مثّل إخفاقا على مستويات متعددة، بداية من الإيرادات التي لم تتجاوز حتى الآن 28 مليون دولار مقابل ميزانية بلغت 78 مليونا، وتقييمه المتواضع على “روتن توماتوز” (Rotten Tomatoes) بـ 56% فقط من النقاد و52% من الجمهور، وصولا إلى عدم فوزه بأي من جوائز غولدن غلوب، وترشحه لـ3 جوائز تقنية فقط في الأوسكار هي الصوت وتصميم الأزياء والموسيقى.
مشروع سينمائي فقد بوصلته
في عام 2014، ظهر بقوة اسم “داميان شازيل” على الساحة الفنية بعد نجاح فيلمه “ويبلاش” (Whiplash) وقد فاز بـ3 جوائز أوسكار وترشح لغيرها؛ منها أفضل فيلم، وبعد عامين عاد شازيل مرة أخرى بفيلم “لا لا لاند” (La La Land) الذي كاد أن يفوز بأوسكار أفضل فيلم في حادثة لن ينساها تاريخ الجوائز.
بعد ذلك، أصبح الطريق معبّدا أمام المخرج الشاب الذي بلغ عمره وقتها 31 عاما فقط، وتوقع الكثيرون أنهم أمام أسطورة سينمائية جديدة، وقد اشتهر بالأفلام ذات الطابع الموسيقي، سواء “ويبلاش” الذي تناول قصة عازف طبول شاب يعاني من إهانات وإساءات معلمه، أو “لا لا لاند” الفيلم الموسيقي الذي أعاد إحياء كلاسيكيات أفلام هوليود الموسيقية.
وربما لهذا السبب وحده اختار شازيل لمشروعه التالي أن يكون مختلفا تماما، بفيلم سيرة وخيال علمي تناول فيها قصة هبوط رائد الفضاء “نيل أرمسترونغ” على سطح القمر، بعنوان “الرجل الأول” (First Man) بطولة النجم ريان جوسلينغ وإنتاج 2018.
ولم يستطع هذا الفيلم الوصول إلى الجمهور، وحقق إيرادات متواضعة للغاية، وترشح لـ4 جوائز أوسكار فاز بواحدة فقط هي أفضل مؤثرات بصرية، ليصبح أول عثرة حقيقية في مسيرة بدت واعدة، ما أرجعه البعض إلى خروجه عن منطقة تميزه واللجوء إلى نوع سينمائي له رجاله الناجحين، وقد أخذ 4 سنوات للعمل على مشروعه الجديد والمنتظر فيلم “بابل” (Babylon) الذي كان من المنتظر أن يعيده لأمجاده بتناوله موضوع محبب له عن السينما وهوليود لكنه قاده إلى فخ قد يكون قاتلا.
تدور أحداث فيلم بابل في عشرينيات القرن الماضي، خلال تلك السنوات الفاصلة بين السينما الصامتة والناطقة، لنتعرف على قصتين بشكل متوازي، الممثل جاك كونراد (براد بيت) النجم الهوليودي الساطع، الذي يعيش أهم مراحل مسيرته المهنية، ينطلق بسرعة الصاروخ بين المشاريع السينمائية الناجحة، وعلى الجانب الآخر نيللي لاروي (مارغو روبي) ممثلة صاعدة، استطاعت بجرأتها الشديدة الوصول إلى الشهرة الواسعة، ولكن في ذات الوقت تم تنميطها في دور الفتاة سيئة السمعة.
ويأتي سريعا التغيير الذي أعاد تشكيل السينما؛ وهو الصوت والأفلام الناطقة، فيتراجع مجد كل من لاروي وكونراد، ويتحولان إلى جزء من عصر قديم تم إحلاله سريعا بما يتوافق مع السينما الحديثة.
قصة مكررة بتصنيف للبالغين فقط
تدور أحداث قصة فيلم “بابل” حول أفول نجوم السينما الصامتة في الثلاثينيات من القرن الماضي تم تناولها في أفلام كبيرة وشهيرة وحائزة على الجوائز، من أشهرها “الغناء تحت المطر” (Singin’ in the Rain) و”الفنان” (The Artist) الحائز على جائزة أوسكار أفضل فيلم، لذلك فإن السؤال الذي طرحه الجميع قبل فيلم “بابل” هو ماذا سيقدم داميان شازيل لهذه القصة المكررة؟
في الحقيقة لم يقدم فيلم “بابل” أي جديد عن الأعمال السابقة التي تناولت نفس الموضوع سوى تصنيف العمل، فالفيلم ذو تصنيف “آر” (R) أي للبالغين فقط، الأمر الذي أعطاه جرأة أكبر في الطرح، وتصوير هوليود بشكل مختلف عن العالم المثالي الوردي الذي شاهدناه في الأعمال السابقة، ما أضفى لمسة واقعية في تمثيل الحياة الباذخة والحيوية والغريبة لأبطال السينما خلال فترة العشرينيات على الأخص.
ويضعنا فيلم بابل أمام سؤال، متى تصبح الأفلام مجرد محاكاة فارغة لعمل قديم، ومتى تستلهم منه؟
الفيلم متأثر بوضوح بالأعمال الفنية التي حكت من قبل قصة هوليود ونجومها فيما يسمى بالعصر الذهبي، وظهر ذلك في إعادة تقديم لقطات كلاسيكية شهيرة مع تعديلات بسيطة، أو استخدام أغنية “الغناء تحت المطر” في سياق مختلف، لتوضيح التضاد ما بين “هوليود” هذا الفيلم الرقيق المليء بالأحلام، والصورة الواقعية القاسية في الحقيقة، ومحبو السينما الكلاسيكية يمكنهم اصطياد عشرات الأدلة على تأثر شازيل وشغفه، ولكن في ذات الوقت افتقد ذلك المعالجة الجديدة أو وجهة النظر الطازجة التي تجعل العمل مختلفا أو يقدم ما يبهر.
عانى سيناريو فيلم “بابل” من التشظي، حيث جمع بين الخطين المتوازيين للأحداث، مانويل المكسيكي الأصل، شاب مكافح جذبته السينما فأصبح يؤدي أدوارا مختلفة في حياة كونراد، وفي ذات الوقت يدعم نيلي، ثم في عالم ما بعد السينما الناطقة استحوذ على جزء كبير من السرد، لأنه الناجي من هذا الإعصار السينمائي، ولكن بشكل مفاجئ قرر المخرج تقديم خط درامي لأحد عازفي موسيقى الجاز من أصحاب الأصول الأفريقية المهمشين والذين برزوا مع دخول الصوت للسينما، وهي قصة تصلح فيلما سينمائيا وحدها، لكن هنا فقط كانت إضافة إلى مزيج من الفوضى السردية.
راهن منتجو فيلم “بابل” على شغف لجان الجوائز بقصص هوليود القديمة، فالأفلام الأخرى المذكورة هنا وغيرها فازت على الدوام أو ترشحت لأرفع الجوائز، ولكن جانب داميان شازيل الحظ هذا العام، فمع التغييرات الكبرى في أجندات لجان الجوائز، خرج من الحسابات.