- الانتاج والابتكار, التعليم, المهن, برنامج فريد, تهديد, خطر, شات جي بي تي
- 0 Comments
- 879 Views
خلال عقود قليلة تحول العالم من مجتمع يعتمد على الآلات إلى مجتمع يعتمد على المعلومات في ظل تحولات تكنولوجية هائلة يقودها الذكاء الاصطناعي، ويثير بعضها مخاوف بشأن خطرها على البشرية.
ورغم أن الذكاء الاصطناعي لم يكن أكثر من مجرد حلم بعيد المنال حتى أواخر القرن العشرين فإنه اليوم يمكننا رؤيته حقيقة مخيفة بشكل متزايد عبر أحدث برامجه، وهو “شات جي بي تي” (Chat GPT) الذي أطلقته شركة “أوبن إيه آي” (Open Ai)، وهو عبارة عن روبوت محادثة يمكنه الرد والإجابة بطريقة تحاكي سلوك البشر.
وبرنامج “شات جي تي بي” -الذي لاقى انتشارا كبيرا منذ إطلاقه في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي- طرح تحديات مختلفة، ففي الوقت الذي يستطيع فيه إنتاج محتوى فائق الجودة ودعم منظومة الابتكار إلا أنه سيلقي بظلاله على اختفاء بعض المهن، فضلا عن سلبية استخدامه في قطاع التعليم.
روبوتات محادثة
بدوره، يعتبر الأستاذ المشارك في قسم تكنولوجيا المعلومات والحوسبة بكلية الهندسة في جامعة حمد بن خليفة الدكتور أيمن أربد أن “شات جي تي بي” برنامج فريد من نوعه وقادر على اختصار الوقت والجهد على البشر في تكوين محتوى جيد واستحداث نصوص تستجيب لحاجات أو ترد على استفسارات.
ويرى أربد في حديث للجزيرة نت أن هذا البرنامج “سيكون له دور كبير في قطاع الأعمال مستقبلا، وستكون له تأثيرات سلبية على الكثير من المهن، الأمر الذي يحتاج إلى تطوير مهارات العاملين الذين قد تتعرض وظائفهم للخطر من أجل مواكبة التكنولوجيا والمحافظة على دورهم في الاقتصاد الرقمي”.
ويضيف أن مثل هذه البرامج -التي تعتمد على مواد علمية وأكاديمية ونصوص من شبكة الإنترنت- قد تؤدي إلى مخاطر في ما يتعلق بحقوق الملكية، فضلا عن أن نتائجها قد تكون خطيرة في حال تزويدها بمعلومات خاطئة.
ويرى أن من سلبيات “شات جي تي بي” استخدامه في القطاع التعليمي، خاصة في ظل قدرته الفائقة على كتابة محتوى قد يستخدم من قبل الطلاب، ولذلك يجب استحداث آليات لمعرفة ما إذا كان النص كتبه الطالب أم روبوت المحادثة.
ويوضح أن “شات جي بي تي” هو التطور الأحدث لـ3 أجيال سابقة من هذه البرامج، وأنه يتم العمل حاليا على جيل جديد هو “جي بي تي 4” وسيكون أكثر دقة.
ويعتبر برنامج “شات جي بي تي” نقلة نوعية لـ”محركات البحث التوليدية”، مما يزيل الحدود بين المحتويين الواقعي والآلي.
ملكية المحتوى
من جهته، يرى الدكتور سانجاي تشاولا -وهو مدير أبحاث أول في معهد قطر لبحوث الحوسبة- أن برنامج “شات جي بي تي” يطرح منظومة متكاملة للحوار والتخاطب أكثر فاعلية من البرامج التي سبقته، ويمتاز بقدرته على استخدام السياق الصحيح بما قد يضاهي تعبيرات البشر.
ويقول تشاولا للجزيرة نت إن البرنامج فعال جدا في إعادة تدوير المحتوى، لكنه يعطي إيحاءات بمعرفة جميع الأمور رغم أنه غير قادر على فهم المواضيع المطروحة، ويفشل في معالجة الأنماط المختلفة للألعاب الرقمية، كما أن إنتاجه محتوى بدون الكشف عن مصدره يتسبب في الكثير من القضايا الأخلاقية في ملكية المحتوى.
ويضيف أن البرنامج ماهر في ابتكار البرمجيات المشفرة، ويساهم في إعادة ابتكار مجال تكنولوجيا المعلومات بما يشمل خفض الأسعار ودعم الإنتاجية، وهو ما دفع مركز قطر للذكاء الاصطناعي في معهد قطر لبحوث الحوسبة إلى العمل على إنتاج نموذج لقياس تأثير الذكاء الاصطناعي على بعض المهن، وأظهرت النتائج أن المهن الاحترافية أكثر عرضة للتأثر مقارنة بالمهن الفنية.
ويرى تشاولا أن من السلبيات المعروفة عن البرنامج استخداماته في مجال التعليم وقدرته على استنساخ أجوبة الطلاب، الأمر الذي سيحتاج استجابة سريعة من القطاع التعليمي من خلال طرق أكثر تعبيرا وإيجابية في تقييم الطلاب بناء على المفاهيم المشتقة وبعيدا عن إعادة تدوير المحتوى.
ويشير إلى أن بعض الخبراء تحدثوا عن كون 2022 العام الأخير الذي سيشهد إنتاجا للمحتوى من قبل البشر، وهو الأمر الذي نجد فيه أنفسنا على أعتاب “عالم جديد شجاع”، ولذلك لا يمكن التنبؤ بتأثير الذكاء الاصطناعي على الحضارة الإنسانية، لكن من المهم الأخذ بعين الاعتبار العوامل الأخرى مثل ملكية التكنولوجيا ومصادر التحكم في البيانات.
ويعد برنامج “شات جي بي تي” نموذجا قويا لإنتاج محتوى يضاهي البشر ويدعم الحوار المستدام الذكي، كما تشمل هذه الاستخدامات قدرة البرنامج على إنتاج الخوارزميات وأبيات الشعر ومهام الترجمة.
روبوتات الدردشة
بدوره، يعتبر الأستاذ المساعد في قسم تكنولوجيا المعلومات والحوسبة بكلية الهندسة في جامعة حمد بن خليفة الدكتور سيف الكواري أن “شات جي بي تي” غيّر مفهوم العالم والمستخدمين عن تكنولوجيا روبوتات الدردشة التي بدأت عام 2018، خاصة أن المعلومات الصادرة منه قريبة جدا من الواقع، وقد تكون صحيحة وكأنك تتعامل مع شخص حقيقي.
ويقول الكواري للجزيرة نت إن أبرز تحديات “شات جي بي تي” تتمثل في ثقة المستخدمين، فضلا عن أن المصدر الأساسي الذي يستخدمه البرنامج لاستقبال البيانات ومعالجاتها هو الإنترنت، وهو عالم مفتوح ومعلوماته غير دقيقة، ومن ثم فقد يقدم معلومات خاطئة للمستخدمين.
ويضيف أن أبرز إيجابيات البرنامج هو زيادة توعية المجتمعات بمزايا الذكاء الاصطناعي، وتحفيز الأجيال القادمة للتعرف عليه ودراسته والمساهمة في تطويره، خاصة أنه سيفتح آفاقا جديدة لمعالجة مشاكل المجتمع و”أتمتة” الأنظمة وتفريغ الكادر البشري لإنجاز الحلول الإبداعية.
ويوضح أن التكنولوجيا بشكل عام سلاح ذو حدين تتوقف الفائدة منها على استخدامها بالشكل الصحيح، لكن “شات جي بي تي” تظهر عيوبه في خطر الاعتماد الكامل عليه دون التحقق من المخرجات التي يتم استقبالها، فضلا عن تأثيره على النظام التعليمي، الأمر الذي دفع العديد من الجامعات والمدارس إلى حظره.
ويرى الكواري أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لن تقف عند تقنية معينة، وأن برنامج “جي بي تي 4” -الذي يتم تطويره حاليا- سيتلافى العيوب وسيكون أكثر دقة، وقد يكون أقرب للواقع، فضلا عن أن الاستعانة بطرق جديدة لمعالجة البيانات مثل الحوسبة الكمية ستؤدي إلى ثورة ضخمة في التكنولوجيا تفوق ما تم إنجازه في برنامج “شات جي بي تي”.