- العربي الكبير, قراءة الرحالة, محاولة جديدة, مخطوطة ابن بطوطة السرية
- 0 Comments
- 752 Views
ما الذي يجعل سيرة الرحالة العربي الكبير ابن بطوطة مثيرة إلى هذا الحد وتدفع الأقلام في كل وقت وحين إلى مزيد من سيلها بحثا عن سيرة لم يكتبها ابن بطوطة نفسه؟
صدرت حديثا رواية “مخطوطة ابن بطوطة السرية” للكاتب جاسم سلمان عن داري الرافدين والوتد، وتعتبر الرواية الثالثة للكاتب الذي أبدع في صوغ متخيل تاريخي أقرب للتصديق والواقع، حيث تقرؤها وكأنها المخطوطة الفعلية والأكثر دقة للرحالة العربي الشهير ابن بطوطة.
وحول إصداره الجديد، قال سلمان لوكالة الأنباء القطرية إن روايته هي عبارة عن محاولة لإعادة قراءة ابن بطوطة من جديد، ولاستعادة الإرث الذي تركه الرحالة العربي الكبير، وهي محاولة تربط بين حاضرنا وذاك الماضي.
أماكن ابن بطوطة
وأوضح سلمان أن “القارئ سيجد في أبطال الرواية الكثير من معاني التقارب بين الفترتين وطرحا للكثير من الحقائق كالعلاقة بين الأديان”، مضيفا أن “الرواية تقترب من الوصول إلى مناطق غير مطروقة وأماكن تجول فيها الرحالة، وتتناثر فيها تفاصيل كثيرة بشكل يحول السرد إلى نقاط ضوء حول الكثير من الأسرار والعجائب بأسلوب يمتزج فيه الأدب مع الفن والتاريخ بروح مشوقة ومحكمة البناء والتأثيث”.
وتتميز الرواية بكونها إعادة كتابة خيالية للتاريخ بأسلوب فني، وبجرأة متناغمة مع تطلعات وأسئلة قراء التاريخ الذي لا يجدون فيه ضالتهم، حيث تتجسد في أبطال الرواية الكثير من معاني التقارب، وتطرح الكثير من الحقائق كالعلاقة بين الأديان، والإنس والجن، وتتراقص الحقائق والوقائع كالأفكار بين أصابع الكاتب، مع تناغم المتناقضات، ويحاول الكاتب أن يثبت وجود اتفاقات وتحالفات بين الدويلات في ذلك الوقت ووجود من يحركون التاريخ والجغرافيا بتطلعات شخصية ونظرات ثاقبة للأشياء.
كما استحضر الكاتب في روايته وجود تنظيمات سرية، إذ لا تتحرك الأحداث بشكل عفوي وطبيعي وتصل ما وصلت إليه المناطق التي مر بها ابن بطوطة لحالها الماضي والحاضر بشكل أكثر ميلا للصدفة، كما أدخل تقنيات سردية جديدة واحترافية في الانتقال عبر الأزمنة، بين الواقع الحالي لهذه المناطق وارتباطها بالماضي، مع اختلاف الشخصيات، وأحيانا جعلها تعيش لهذا اليوم.
تاريخ متخيل
ولم تغب عن الكاتب حقائق مسكوت عنها مثل الرق، والمكائد في العصور الوسطى، والدسائس.
وأثبتت الرواية أن المتخيل التاريخي فن قائم بحد ذاته بات يتطور ويأخذ دوره في إعادة كتابة التاريخ، بالإضافة إلى أن الكاتب يستطيع معالجة الآلام وجمع الفلسفة مع الأدب والفن والتاريخ والشعر.
فهل مات ابن بطوطة فعلا؟ هل دفنت سيرته وحياته الشخصية في ركام رحلاته التي بدأت ولم تتوقف إلى اليوم؟ هذا ما تحاول الرواية تناوله.
من طنجة إلى القاهرة والإسكندرية ودمشق وحتى بغداد والأناضول وحدود الصين وأبعد من ذلك بكثير حدود رحلات رسمتها أقدام الرحالة الكبير أو حتى خياله، لا فرق، المهم أنها كانت رحلة، رحلة في بقايا عمر ما كان ليسعف صاحبه كل هذا الكم من العجائب، رحالة ربما لم يدر في خلده ذات يوم أن يكتب ما كتب لولا إكراهات جعلت الكثير من خفاياها طي الكتمان أو طي الحرمان، ولكنها بالتأكيد لم تكن رحلة طي النسيان، فهناك دائما ابن بطوطة، هناك دائما من يسافر ويرحل وإن تغيرت الأزمنة وتنوعت الوسائط، فما بالك برحلة في ثنايا الرحلة.
سيرة ابن بطوطة محاولة قراءة ثانية بجرأة كبيرة يحاول جاسم سلمان أن يسبر أغوارها، فابن بطوطة كان موجودا في سجن هناك بأقصى الشام، وربما في العراق أو حتى في بادية الموصل.
هي محاولة أخرى إذن، محاولة لنعيد قراءة ابن بطوطة من جديد، محاولة لنستعيد كل هذا الإرث الذي تركه الرحالة العربي الكبير، محاولة تربط بين حاضرنا وذاك الماضي.
ومن أجمل الاكتشافات الخيالية في الرواية هو أن ابن بطوطة لا يزال حيا، ويثبت الكاتب جاسم سلمان ذلك بأن الرحالة من الجن ويعيش أكثر من 700 عام، ويعيش ليسرد لنا الكثير من الأسرار والخفايا، كما يربط بين الأزمنة والأمكنة والأحداث، مبررا رحلاته بأنها محاولة للخلود وأن الكتب مثل الأبناء.
كما يؤكد الكاتب في آخر صفحة أن هناك أجزاء أخرى من المخطوطات ستصدر تباعا ولن يتوقف الأمر عند هذه الرواية، بل إنها سلسلة من المتوقع أن تحقق نجاحات وتصل للعالمية وتتعدى حدود عالمنا العربي، فهو عمل مسبوك بقوة ومدعم بالمراجع والمصادر الكبيرة والموثوقة.
يشار إلى أن الكاتب جاسم سلمان صدرت له روايتان من قبل، هما “غرباء في الرمادي”، و”كورونا.. زمن الحب والحرب”.