- السقاية, القدس, بركة السلطان, ملهى ليلي
- 0 Comments
- 704 Views
القدس المحتلة ـ لم يعلم السلاطين المسلمون حين حفروا بركة كبيرة قرب سور القدس لسقاية أهل المدينة، أنها ستتحول إلى أحد أكبر ملاهي الاحتلال الإسرائيلي الليلية، وسيستبدل بالسقّائين آلافُ المستوطنين الذين يتراقصون ليلا على أنغام مطربيهم.
حيث نكأت بلدية الاحتلال في القدس جرح “بركة السلطان” الأثرية، حين أعلنت في 27 ديسمبر/كانون الأول 2022 عن مشروع بميزانية 100 مليون شيكل (30 مليون دولار) بالتعاون مع “مؤسسة صندوق القدس” وسلطتي الآثار والطبيعة والمتنزهات، يتضمن زيادة عدد مقاعد مدرج المسرح الذي أنشأه مكان البركة ليستوعب 7 آلاف شخص، بالإضافة إلى إقامة مقهى وحديقة وبركة بيئية، ليصبح الموقع كما وصفت البلدية “أجمل منطقة للحفلات الموسيقية والحياة الليلية في إسرائيل”.
قبل الميلاد
تقع بركة السلطان على بعد 102 متر من الزاوية الجنوبية الغربية لسور القدس، خارج باب الخليل في أعلى وادي الربابة في منطقة تدعى “جورة العنّاب”، بطول 180 مترا وعرض 80 مترا وعمق 10 أمتار من الجنوب، وتحيط بها الصخور شرقا وغربا، أما جنوبا فبني سدّ لحبس مياه الأمطار إلى جانب مصفاة لتنقية المياه من الأوساخ، وسبيل حجري ضمن نمط معماري شاع في معظم برك القدس.
ويرجح بعض الباحثين وجود آثار بركة في الموقع منذ عهد اليبوسيين، كما أوقفها القائد صلاح الدين الأيوبي ضمن الأوقاف الإسلامية في عهده، ويقول مجير الدين الحنبلي في كتابه “الأنس الجليل في تاريخ القدس والخليل” إن الذي عمّرها بوضعها الحالي هو نائب القدس الشريف الناصري محمد بن السيفي بهادر الظاهري عام 1399 ميلادية في عهد السلطان الظاهر برقوق، فأطلق عليها “بركة السلطان” نسبة إليه.
الإحياء السليماني
ويؤكد الحنبلي أن البركة خربت وتوقف الانتفاع بها في القرن الـ15، حتى أمر السلطان العثماني سليمان القانوني بترميمها مرة أخرى، كما كشفت حفريات حديثة في البركة عن قناة مائية بارتفاع 3 أمتار أقامها السلطان القانوني لنقل الماء إلى المسجد الأقصى، ونقله أيضا من الجنوب إلى البركة وسبيلها الذي كان يسقي المسافرين عبر الطريق الرئيسي نحو الخليل.
أنشأ السلطان أيضا سبيلا في جدار البركة الجنوبي عام 1536، ما زال قائما حتى اليوم، وهو واحد من 6 سُبل أمر السلطان سليمان القانوني ببنائها في القدس، وقد وثّق المؤرخ “ماكس برشام” النقش على السبيل الذي كتب في بعضه “أمر بإنشاء هذا السبيل المبارك مولانا السلطان الملك الأعظم والخاقان المكرم مالك رقاب الأمم سلطان الروم والعرب والعجم السلطان سليمان ابن السلطان سليم خان خلّد الله ملكه وسلطانه بتاريخ العاشر شهر محرم الحرام في سنة ثلاثة وأربعين وتسعمائة (943)”.
خراب البركة
بقيت البركة مستودعا لمياه القدس حتى أواسط العهد العثماني، ويقول المؤرخ المقدسي بشير بركات في كتابه “تاريخ مصادر المياه واستخداماتها في بيت المقدس” إن الرحالة بدؤوا بوصف البركة بالخرابة منذ عام 1723، ولم تعد تُستخدَم خزانا للمياه، كما كانت تدرس الغلال فيها خلال موسم الحصاد، وأصبحت مرعى للخيل والحمير وغدا ماؤها ضحلا لا يكاد يكفي البساتين المجاورة فقط.
ويضيف بركات أن المؤرخ “كونراد شيك” أكد أن ماءها لا يصلح للاستخدام المنزلي، وأنه شاهد أشخاصا يسبحون بها عام 1896 كما استخدمت سوقا لبيع الماشية، وانتشرت فيها أعداد كبيرة من الديدان السوداء الطويلة التي تسمى محليا “عصاة موسى”، أما الاحتلال البريطاني فأنشأ مستشفى “الرفق بالحيوان” عند الزاوية الجنوبية الشرقية للبركة، ونصب فيها أقفاصا لحبس الكلاب المريضة.
وقبل 20 عاما من الاحتلال البريطاني وتحديدا عام 1900 حاولت الدولة العثمانية في عهد السلطان عبد الحميد الثاني إنقاذ بركة السلطان بمد أنابيب حديدية تغذيها بالمياه من برك بيت لحم جنوبي القدس، وقد أقيم احتفال شعبي بذلك عام 1901.
من بركة إلى مسرح
وبعد احتلال العصابات الصهيونية غربي القدس عام 1948، وخضوع شرقيها للحكم الأردني، تعرضت بركة السلطان للإهمال والهجر بسبب وقوعها في منطقة “الحرام” عند خط الهدنة بين الجانبين، لكن حال البركة تغيّر بعد احتلال شرقي القدس عام 1967، حيث هدمت بلدية الاحتلال مستشفى الرفق بالحيوان، وشقت نفقا في جدار البركة الجنوبي للحيلولة دون تجمع مياه الأمطار، ومنعت عام 2009 مرور المشاة والسيارات داخل محيط البركة، وفق توثيق المؤرخ بركات.
وأوكلت بلدية القدس إلى مؤسسة صندوق القدس الصهيونية بين عامي 1978 و1981 مهمة تحويل بركة السلطان إلى مدرج ومسرح مفتوح أطلقت عليه اسم الناشط الصهيوني الأميركي “ميريل هاسنفيلد”، حيث يخصص لعروض الرقص والأوبرا والمهرجانات، ويستقطب أشهر الفنانين الإسرائيليين، في أكثر المواقع حساسية قرب سور القدس، وأهمها تاريخيا.
برك القدس
افتقرت مدينة القدس على مر العصور للموارد المائية الطبيعية، حيث ضمت فقط عين سلوان جنوب سور القدس، فحرص سكانها وحكامها على توفير مصادر بديلة للمياه، فحفروا الصهاريج والآبار والقنوات، وأنشؤوا البرك الكبيرة، حيث رصد المؤرخ بركات 24 بركة في القدس، منها 9 داخل السور و15 خارجه، 12 بركة اكتشفت فعلا، أما البقية فطمرت أو بقيت مجهولة الموقع، وأبرز البرك إلى جانب بركة السلطان: بركة البطرك، بني إسرائيل، العصفور الدوري، حمام علاء الدين، باب الأسباط وماملا.