- اسرائيل, اضرابات, الضفة الغربية, قطاعات حيوية, موجة
- 0 Comments
- 812 Views
الخليل ـ يسود الشلل عدة قطاعات حكومية في الضفة الغربية، نتيجة إضرابات مطلبية أو إجراءات عرقلة العمل التي أعلنتها نقابات واتحادات تمثل الموظفين، طلبا لحقوق مالية وإدارية أو لتنفيذ اتفاقات سابقة.
وبدل أن يسهم إعلان رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية أمس الاثنين عن صرف علاوات لموظفي عدة قطاعات، في احتواء الإضراب وعودة الموظفين إلى عملهم، زادت الفجوة، وانضمت للإضراب قطاعات جديدة.
وبينما يدخل إضراب المعلمين المفتوح شهره الثاني، فإن نقابات المحامين والمهندسين والأطباء والتمريض والصحفيين أعلنت في بيانات منفصلة الانضمام للاحتجاجات المطلبية والإضراب في أيام محددة.
وأعلن اشتية، في كلمته بمستهل الجلسة الأسبوعية لمجس الوزراء “صرف علاوة طبيعة العمل للمعلمين والمهندسين والعاملين في المهن الصحية بنسبة 5% وللأطباء العامين بنسبة 10%” و”دراسة تقديم علاوة لعاملين في قطاع أخرى”، داعيا المعلمين الممتنعين إلى العودة لمدارسهم اليوم الثلاثاء.
استمرار الإضراب
لم يستجب المعلمون الذين أضربوا بعيدا عن اتحادهم لدعوة اشتية وأعلنوا استمرار الإضراب، معتبرين أن الإعلان لا يلبي الحد الأدنى من اتفاق سابق بين الجانبين، كما انضم الاتحاد الذي طالما عارض الإضراب، إلى المضربين.
ويشكل الجانب المالي والعلاوات العامل المشترك بين كل النقابات، في وقت تعاني فيه الحكومة الفلسطينية من اقتطاعات إسرائيلية من أموال المقاصة.
والمقاصة هي عائدات ضريبية تجبيها إسرائيل من البضائع الواردة إلى فلسطين من خلال المنافذ التي تسيطر عليها، وتقدر شهريا بنحو 700 مليون شيكل (نحو 190 مليون دولار) مقابل عمولة 3%.
ووفق خبراء لا يمكن الفصل بين دور الاحتلال كبعد سياسي، والأزمة المالية التي تعيشها السلطة الفلسطينية وتصاعد الاحتجاجات، محذرين من انفجار لا تعرف وجهته ومآلاته.
اقتطاعات وعقوبات إسرائيلية
ومطلع 2023، قررت إسرائيل -ضمن عقوبات للسلطة الفلسطينية- اقتطاع نحو 40 مليون دولار من أموال “المقاصة” لصالح متضرري العمليات الفلسطينية، تضاف إلى اقتطاعات سابقة تقدر بمليار دولار سنويا.
ومنذ أكثر من عام تصرف السلطة الفلسطينية لموظفيها رواتب منقوصة، كما عجزت عن الإيفاء باتفاقيات وقعتها مع عدة نقابات واتحادات، أو سداد مستحقات الموظفين المتأخرة، لنقص الأموال.
ويقدر عدد موظفي السلطة بنحو 240 ألفا، يتقاضون شهريا نحو 300 مليون دولار أجورا وشبه أجور، وفق معطيات أواخر 2021.
و”ما يجري من أزمات تحديدا على الصعيد الاقتصادي والمعيشي جزء من حرب مفتوحة على الشعب الفلسطيني”، وفق ما يراه عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية واصل أبو يوسف.
وأضاف أبو يوسف في حديثه للجزيرة نت أنه في ظل خنق الاقتصاد الفلسطيني والمضي في اقتطاع أموال المقاصة وسرقة الأموال بذرائع مختلفة “يسعى الاحتلال للضغط على الوضع الفلسطيني وهذا يخلق مزيدا من الأزمات”.
ويرى أبو يوسف، الذي يتوسط بين الحكومة والنقابات باعتباره رئيس دائرة التنظيمات الشعبية في منظمة التحرير أن من مصلحة الاحتلال زعزعة الأوضاع في الأراضي المحتلة “وليس سرا أنه يحاول إضعاف السلطة وتقويضها وتكريس الاحتلال وبقائه، وهذا جزء من برنامج الحكومة الإسرائيلية كما جاء على لسان وزراء فيها”.
ويرى أبو يوسف أنه “بدون تدخل فاعل من المجتمع الدولي وفرض الحماية الدولية وإلزام الاحتلال بوقف كل سياسة العدوان، بما في ذلك قرصنة الأموال، يبقى الوضع متفاقما”.
خلق الأزمات لتحقيق تنازلات
ويتفق مدير مركز يبوس للاستشارات والدراسات الإستراتيجية سليمان بشارات مع القيادي أبو يوسف، في الربط بين الأزمات التي تعيشها السلطة والسياسات الإسرائيلية.
وقال بشارات في حديثه للجزيرة نت إن “أي احتلال في العالم يقوم على مبدأ خلق الأزمات حتى يستطيع تنفيذ مخططاته والتحكم بالشعوب الخاضعة للاحتلال”، مضيفا أن الفلسطينيين يعيشون منذ النكبة 1948 “أزمات متتالية ومتتابعة؛ المستفيد الأول والأساسي منها الاحتلال”.
ويرى بشارات أن أي استقرار اقتصادي أو تنموي أو سياسي يعني بالنسبة للاحتلال، تشكيل حالة تمثل إدارة دولة أو مؤسسات الدولة وبالتالي تحقيق التنمية، ما يعزز روح المقاومة ورفض الضغوط، وهذا لا يريده الاحتلال الإسرائيلي.
وأشار إلى تلقي السلطة الفلسطينية منذ تأسيسها عام 1993 أموالا طائلة “لكن بلا أي أثر تنموي، ما يعني وجود حالة مخطط لها تهدف إلى إيجاد حالة استهلاك للشعب وليست حالة تنمية”.
ولذات السبب، يقول بشارات إن الدول المانحة شريكة في حالة الفساد التي تعيشها السلطة، من خلال خلق مؤسسات مدنية يهمها التمويل بعيدا عن البعد الوطني.
ويربط بشارات بين الأزمات التي تعيشها السلطة والخطط السياسية، ويرى أن كثيرا من الأزمات رافقتها أو تبعتها أطروحات سياسية هدفها خلق حالة إشغال داخلي وفرض شروط سياسية للقبول بها وتصفية القضية الفلسطينية مثل خارطة الطريق (2003) وصفقة القرن (2020) وغيرهما.
وعن إدارة الحكومة الفلسطينية للأزمة يقول بشارات إنها “لا تدار بعقلية اقتصادية، ولا بعقلية إدارة دولة أو إدارة تنموية، بل ببعد سياسي وأمني بامتياز”، موضحا أن “اشتية رجل اقتصاد وصاحب أطروحات اقتصادية قبل أن يكون رئيسا للحكومة، ما يدفع للتساؤل: كيف يقبل اشتية الدخول في أزمات وإضرابات متتالية؟ وهل تُفرض عليه سياسات بعينها؟”.
سوء إدارة
أما عضو المكتب الساسي لحزب الشعب الفلسطيني فهمي شاهين، فيرى أن أزمة الإضرابات سببها “سوء الإدارة”، مدللا على ذلك بأن “القضايا المطلبية المطروحة للمعلمين متفق عليها سابقا، ولم تلتزم بها الحكومة” وأنه “كان بإمكان الحكومة أن تفتح حوارا جادا ومسؤولا وأن تتوصل إلى حلول مع كل الأطراف”.
ويقول شاهين إن الحكومة لم تقدم على خطوة لترشيد الإنفاق المالي في مؤسساتها ووزارتها وأجهزتها المختلفة، مطالبا إياها بأن “تتوجه لمعالج جادة للأزمة من خلال تلبية المطالب المشروعة لقطاع المعلمين تحديدا”.
ورجح السياسي الفلسطيني أن “تتجه الأمور نحو المزيد من التدهور والاحتقان بسبب تفاقم الأزمات الاجتماعية وعجز الحكومة عن إدارة هذه الملفات ومعالجتها على نحو مسؤول”.
وتابع أن “الحكومة تتصرف بردود فعل، ما فاقم هذه الأزمات (..)، آن الأوان أن تقدم استقالتها والتوجه لحكومة وطنية تستند لإرادة سياسية من أجل حماية الحقوق الاجتماعية والسياسية للشعب الفلسطيني”.