- التشيلي خورخي ادواردز فالديس, الدكتاتور, الروائي, اليمين واليسار, دبلوماسي, رحيل
- 0 Comments
- 1357 Views
عن عمر يناهز 92 سنة، توفي الروائي والناقد التشيلي المعروف خورخي إدواردز فالديس، مخلّفا إرثا سرديا ونقديا جعله واحدا من أهم كتّاب أميركا اللاتينية في القرن الـ20، حيث عرف بتميزه في كتابة الرواية والمذكرات والنقد، بالإضافة إلى تمرسه في العمل الصحفي والدبلوماسية.
ينحدر الروائي التشيلي من عائلة برجوازية، سمحت له بدراسة الأدب والقانون والتعرف على أهم الوجوه السياسية والأدبية في تشيلي وعلى رأسهم الشاعر بابلو نيرودا، الذي استدعاه مباشرة بعد أن أنهى دراسته الجامعية للعمل معه في السفارة التشيلية بباريس، لكنه سرعان ما اضطر عام 1973 إلى ترك العمل الدبلوماسي إثر الانقلاب الذي قاده بينوشيه وانتقل للعيش والعمل في إسبانيا التي كتب فيها أهم أعماله الأدبية على الإطلاق “ضيوف من حجر” (1978)، حيث قدم صورة دقيقة لمحنة مجموعة من الأصدقاء من الطبقة البرجوازية خلال حظر التجوال العسكري.
تدور أحداث كتابه السردي في حفلة عيد ميلاد أُقيمت في أكتوبر/تشرين الأول 1973، وظفها الكاتب لتفكيك رؤية هذه المجموعة الاجتماعية من الداخل، بحيث تواجه الماضي والحاضر والتناقضات والانشقاقات.
“ضيوف من حجر”
حظي هذا الكتاب بترحيب كبير من قبل النقاد والجمهور في إسبانيا، حتى إن الطبعة الأولى التي فاقت عشرات الآلاف من النسخ نفدت بسرعة فائقة، ومع ذلك، فقد تعرض لوابل من النقد لتصويره الاحتقاري للطبقة البرجوازية في تشيلي، وهو ما صرّح به في أحد حواراته قائلا “هاجمني اليساريون بسبب هذا الكتاب، واتهمني اليمينيون بـالترويج للمشاعر الاجتماعية المتألمة، لأنني أسخر من طموحات وتطلعات الطبقة البرجوازية التشيلية”، لكن ذلك لم يمنع المجتمع النقدي من اعتبار الكتاب رائعة أدبية، سمحت باكتشاف الأعمال السابقة لفالديس خاصة روايته “شخص غير مرغوب فيه” التي صدرت عام 1973، والتي تناول فيها تجربته الدبلوماسية في كوبا في بداية الستينيات وما يليها، وكيف أنه تم إخراجه من البلاد بسبب اتهامات بالتورط في مؤامرة ضد الحكومة الكوبية.
ويتناول الكتاب أيضا شذرات من حياته في فرنسا وإسبانيا وعلاقاته مع كتّاب وفنانين وسياسيين مثل جاك لاكان، جورج بيرنارد شو وصموئيل بيكيت.
في عام 1978 عاد خورخي إدواردز فالديس إلى تشيلي بعد سنوات من المنفى الاختياري في إسبانيا، ليتم تعيينه عضوا في الأكاديمية التشيلية للغة خلال السنوات التالية. وفي السنتين اللاحقتين لعودته، نشر كتابين عُدّا من أكثر كتبه انتشارا وإثارة للجدل وهما متحف الشمع (1981) و”المضيف” (1987).
سخرية بلا هوادة
في روايته “متحف الشمع” يقدم لنا فالديس مثالا واعيا للفكر الرجعي على شكل سخرية لا هوادة فيها. بطل الرواية الأمير فيلا ريكا، الممثل لأكثر قطاعات المجتمع التقليدية في تشيلي، هو شخص يحب فرنسا وفي عالم التلفزيون والمروحيات، يعيش متشبثا بالماضي؛ “يخرج من قصره في عربة، ويتنكر بالبدلة الطويلة ويستخدم عكازا مزودا بمقبض من الفضة، ويبدو مبتعدا عن الإلكترونيات اليابانية وكذلك عن الحانات والمطاعم الاستعمارية على ضفاف النهر”.
كشخصيات تشترك في متحف الشمع في نفس المساحة بطريقة غير مناسبة لعصرنا، تتشابك 3 عوالم في هذه الرواية المجنونة والكوميدية العظيمة. بحيث عزز فالديس -بأسلوبه الساخر والأنيق كالمعتاد- التناقضات الاجتماعية العبثية، ليصل بها إلى التهكم، مع رؤية خيالية ولافتة للأنظار للواقع.
“متحف الشمع” هي سردية لتداعيات سقوط طبقة اجتماعية معينة التي لا تتناسب مع الأوقات الجديدة.
أسطورة فاوست
في روايته “المضيف” أعاد فالديس صياغة أسطورة فاوست (الألمانية) بطابع تشيلي عن طريق قصة لاجئ في برلين. يتحرك البطل فاوستينو خواكين، الذي يلهمه شيطان ميفيستوفيلي الشرير، إلى التشيلي في آلة غريبة تسمى “الآلة”.
تجري الأحداث في فترة ترسيخ الدكتاتورية، وينحدر فاوستينو إلى الجحيم في مغامرة مثيرة، حيث أجمع النقاد وقت صدور الرواية على أن صاحب “متحف الشمع” خرج عن المعهود في توظيف الأسطورة حين فضل ألا تبدأ الرواية بالحديث عن صفقة الإنسان مع الشيطان، مثل القصة التقليدية للأسطورة، وإنما فضل أن يروي المغامرات السابقة للصفقة على عكس الأسطورة.
في عام 1990 حصل فالديس على جائزة كوميلاس من دار النشر توسكيتس عن مخطوطته حول حياة الشاعر الراحل بابلو نيرودا بعنوان “وداعا أيها االشاعر”.
ونال جائزة الأدب الوطنية عام 1994 تقديرا لمسيرته الطويلة وإسهاماته في الأدب التشيلي، ونشر في نفس العام “ويسكي الشعراء”، الذي هو تجميع لعدد كبير من الملاحظات التي جمعها على مدى سنوات طويلة أثناء رحلاته المختلفة، لكن الكتاب لم يحظ بالترحيب المتوقع له، وهي كبوة لم تستمر طويلا، حيث أصدر بعدها آخر أعماله “حلم التاريخ” المستوحى من حياة المهندس المعماري لقصر لامونيدا “خواكين تويس”، وهذا في السنة نفسها التي فاز فيها بجائزة ثربانتس أرفع الجوائز الأدبية باللغة الإسبانية وتعتبر من قبل النقاد الأدبيين بمثابة جائزة نوبل في العالم الناطق بالإسبانية. وفي نفس العام، كرّمه الرئيس التشيلي ريكاردو لاغوس بوسام غابرييلا ميسترال.