- العزف على الخيوط, اوبرا, سالزبورغ, مسرح الدمى
- 0 Comments
- 1442 Views
تتحرك 18 يدا من موقعها غير الظاهر فوق خشبة مسرح الدمى في مدينة سالزبورغ النمساوية لضخ الحياة في الشخصيات الموجودة أمام الجمهور في ما يعرف بأوبرا مسرح الدمى، وهو فن تجاوز عمره 100 عام، يختزن قدرا كبيرا من السحر، ويتطلب مهارة يحتاج اكتسابها إلى سنوات من التدريب.
ومن بين الذين يتولون شد الخيوط “من علو مترين فوق المسرح” إدوارد فانك، بنظارته المستديرة وشاربه الرفيع وشعره الأشعث.
نمى فانك شغوفا بعالم ما وراء كواليس العروض منذ طفولته في باريس، ويعشق فانك التقنية التي اخترعها قبل 110 سنوات مؤسس مسرح سالزبورغ البديع النحات النمساوي أنتون أيشر حيث أنتج عام 1913 أوبرا موتسارت، وهي أول أوبرا كاملة الطول باستخدام الدمى المتحركة، وباتت تلك التقنية والتقليد الفني ضمن قوائم اليونسكو التراثية حاليا.
ولم تقطع الحرب العالمية الأولى أعمال فرقة المسرح. ففي عام 1926، سلم أيشر إدارة المسرح لابنه هيرمان. كما شهد عام 1927 أول جولة قامت بها الشركة إلى هامبورغ بألمانيا. وبدأت هذه الجولة تقليدا لا يزال مستمرا حتى اليوم.
لكن فن مسرح الدمى يعود تاريخه لعصور قديمة، حيث تم استخدام الدمى منذ العصور القديمة لتمثيل أفكار ومشاعر المجتمعات البشرية ونقلها كما تدل الشواهد في حضارات آسيوية وفي مصر واليونان القدماء، كما ازدهر في العالم العربي في العصر الوسيط وتحديدا في القرن الـ14.
فن تحريك الدمى
وشبّه فانك البالغ 34 عاما فن تحريك الدمى بـ”العزف على آلة موسيقية”، وقال إن “العازف لا يفكر في أوتار آلته أثناء العزف”، ويعرف النوتات التي يُفترض به أن يعزفها. أما على مسرح الدمى، فحركات الشخصيات تكون بالغة الدقة، وتظهر المشاعر بصورة ملموسة.
يستخدم محرّكو الدمى في مهمتهم أداة على شكل صليب صغير توضع على يد واحدة، تُمكّنهم من جعل الشخصيات “تقبّل أو تعانق”، وهو ما “ليس ممكنا دائما بتقنية مختلفة”.
ويستلزم إتقان هذا الفن على النحو الأمثل سنوات عدة، علما أن بعض الشخصيات المعقدة قد تكون لها عشرات الخيوط، ويتطلب تحريكها نحو 5 متخصصين.
ومحرّكو الدمى هم أيضا صانعوها، إذ يخصصون ساعات يوميا لهذه الكائنات الخشبية التي يوجد المئات منها في المَشاغل، قبل أن ينتقلوا إلى قاعة المسرح لتحريكها خلال العروض.
ويتولى الفنانون أنفسهم نحت الدمى الخشبية وطلاءها وإلباسها، وهي تمثل شخصيات أشهر الحكايات ومنها “سنو وايت والأقزام السبعة” و”الأمير الصغير” و”الناي السحري”، أو مستوحاة من المسرحيات الغنائية.
ورأى إدوارد فانك المتخصص في تصميم الأزياء المسرحية والفخور بانتمائه إلى الفريق أنها “مهنة غير عادية”.
الناس سئموا العالم الافتراضي
وزاد في السنوات الأخيرة عدد جمهور المسرح الذي يعتاش منه 19 شخصا، واستنتج فانك أن الناس “سئموا العالم الافتراضي” وعادوا يهتمون مجددا “بما يمكن لمسه وسماعه ورؤيته”.
واعتبرت إيلزي لاوبيشلر (79 عاما) التي واظبت منذ صغرها على الحضور إلى هذا المسرح أن “هذا الفن رائع حقا”، وتحرص اليوم على أن تعرّف أحفادها به.
وأضافت “أنا أحب الدمى، ولباقة حركاتها، وكونها يمكن أن تمثّل أي شيء، سواء أكان راقصة باليه أو تنينا أو شخصية كاسبيرل” التقليدية الجرمانية.
ومنذ عام 1961، أصبح لتقليد فن الدمى المعروف في بلدان عدة منذ آلاف السنين، مهرجان عالمي في شارلفيل ميزيير بمنطقة آردان شمال شرق فرنسا. لكنّ المنافسة لا تُقلق النمسا.
ويرى فانك أن “من الصعب منافسة مؤسسة بلغ عمرها قرنا”، كيف لا ومسرح مدينة سالزبورغ، مسقط موزار، هو الوحيد في العالم المخصص لإقامة مسرحيات أوبرالية بالدمى المتحركة.