- الادب العراقي, النص الغاضب, سيادة الخوف
- 0 Comments
- 628 Views
بعد كل مرحلةٍ عصيبة تمرّ بها الشعوب، يظهر سمت أدبي يسود مجمل أعمال ونصوص تلك الحقبة، ويعبر عن تأثر المثقف والأديب بواقعه المعاش.
وفي حقب عديدة بالعراق، ولدت نصوص اعتمدت على التورية والقناع، واللجوء إلى التاريخ أو إسقاطه أو الهروب إلى الأمام، وهو ما يمكن تسميته بالأدب الخائف.
وطبعت التحولات السياسية حقب الأدب العراقي، فبعد 14 يوليو/تموز 1958 تغير النص الأدبي ليخالف سوابقه من العهد الملكي، وبالمثل جاءت نصوص مرحلة الستينيات مختلفة كثيرا عما سبقها، وهو ما تكرر أيضا بعد حقبة تولي حزب البعث السلطة عام 1968 إلى زمن الغزو الأميركي عام 2003 وما تلاه، ويتساءل هذا التقرير عن علاقة الأدب والنص العراقي بالتحولات المعاصرة.
نصوص الخوف
يقول الناقد حاتم الصكَر “إذا كان وصف النص بالخائف إشارة لزمن الدكتاتورية ورقبائها، فإن الخوف لم يغادر الذاكرة” ويصف عدم المغادرة بما “تتمثله النصوص حول الحروب وعسكرة المجتمع، والعناء في سنوات الحصار”.
ويوضح أن الأدباء “مازالوا يستلهمونها في ما يرصدون من حياتهم أو ما عاشوه جنودا بالإجبار، أو مراقبين خائفين، أو ضحايا لمرحلة الخوف، وهي مفردة مخففة للرعب”.
ويذكر الصكَر عندما “يجيء الغزاة بعد الطغاة تتحطم أحلام العراقي بالحرية، وهو ما حدث لحظة رؤية مجنزرات الأميركان في قلب بغداد ومدن العراق، وقبلها قصف الطائرات البنى التحتية” ويضيف “الاحتلال ذاته كمفهوم ووجود صار عبئا على الضمير”.
ويرى أن نصوص الرواية “باتساع أفقها وطبيعتها الفنية كانت الأكثر تمثيلا كنصّ غاضب وربما رافض للاحتلال” ويعتبر أن هناك نصا من نوع آخر يحمل الرعب أيضا في سماته وهو “الديستوبيا التي شاعت بعد ظهور المتطرفين، وما قاموا به من مجازر، وما دمروا من آثار العراق ومدنه وحضارته”.
الأدب والمعارضة
بدوره، يرى الناقد حسب الله يحيى أن “الأدب غاضب وناقد ورافض ومحتج لكل ما يسئ للإنسان وقيمه وعطائه وحريته وخبزه” ويشير إلى أنه قبل عام 2003 “كان الخوف يخيم على الأدب العراقي، هذا صحيح، ومع ذلك كنا نقرأ الكتب والصحف والبيانات سرا”.
ويوضح يحيى ملامح ذاك النص معتبرا أنه يحمل سمات “خوف من نوع مغاير، ذلك أن السلطة الراهنة لجأت إلى سن قوانين مضادة لحرية التعبير”.
ويعود الناقد لسبب وجود النص الغائب بهذا الزمن، فيقول “أدبنا يتسم بالمعارضة والمواجهة لكل من يفسد في الأرض ويسرق خبز الشعب، وإن تغيرت أدوات القمع الدموية في الماضي والحاضر”.
ويكمل معتبرا الخوف أساليب لا تختلف في نتائجها بين الماضي والحاضر، ويقول “سيظل الأدب الحق أدبا معارضا مضادا لكل السلبيات التي يعمد إلى رصدها وإدانتها”.
ملامح نصوص مضطربة
وللنص الغاضب ملامح كثيرة منها كونه ردة فعل على توالي الخيبات وجلد الذات وكذلك الانفعال والعصبية والجرأة، ويقول الناقد عمار الياسري “النصوص مثل البشر قد تخاف وتضطرب، قد تصرخ وتثور، قد تهمس وتغني”.
ويشير الى أن هذه المشاعر “ترتبط بالسلطات التي تحيطها سواء كانت لاهوتية أم اجتماعية أم سياسية أم اقتصادية، فحينما تطالها القسوة تخاف ثم تستخدم الرمز (للتورية) ثم تهمس وتذوي وحينما تجد فسحة صوت تصرخ، وقد تثور النصوص بالرغم من قسوة السلطات”.
وعن المتغيرات التي حدثت للنصوص يقول إنه بعد حقبة 2003 “اختلط حابلها بنابلها، فهناك نصوص قاربت مزاج السلطات وهناك من فارقت السلطة بل صرخت وغضبت ضدها”.
ويعرف الياسري النص الغاضب بأنه “نصّ مفارق للنسق السائد يشتغل على بنية نسقية لها ديناميتها الخاصة”.
وعن تعدد أوجه هذا النص، يقول الياسري إنه يشتمل على ملامح عديدة منها التصوف والتشاؤم وكذلك النصوص الثورية معتبرا أن النص “شخصية غاضبة تارة تلقي حجاجها بالعنف، ومجابهة القوة بالقوة وتارة مجابهة القوة بالحكمة أو التجاهل”.
من جهته، يقول الناقد حمدي العطار “هناك مراحل تاريخية مفصلية تتحول فيها الأعمال الأدبية لتتلاءم مع المزاج العام للناس، وتعبر عن موقف وطني كأحد أهداف الأدب في الحياة العامة”.
ويشير إلى ما حدث من متغيرات بعد هزيمة عام 1967 كون “آثار الهزيمة انسحبت على الأدب وبرز الاتجاه الإسلامي يتبنى الأدب الغاضب” ويقول إن أحد أسباب هذا النص في واقع العراق الحالي هو “الغزو الأميركي والإرهاب والفساد والمحاصصة وغياب العدالة والخدمات، كلها تجعل الكاتب الواعي يعبر عن اعتراضه وعدم قبوله بالوضع الحاصل”.
وإذ ينفتح الواقع والمستقبل على كثير من الاحتمالات، فإن النصوص العراقية أيضا بدورها تنفتح على تغيرات جديدة تكتسب سماتها من الواقع المعاش.