بغداد– أصدر البنك المركزي العراقي منذ بداية عام 2023 عدة قرارات من شأنها المحافظة على استقرار الوضع النقدي والاقتصادي العام ومواجهة مخاطر تذبذب سعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار الأميركي، بالإضافة إلى تسهيل عمليات الاستيراد والتصدير عن طريق فتح آفاق جديدة مع البنوك العالمية، بينها بنوك الصين.
ومن قرارات المركزي العراقي تعزيز أرصدة المصارف العراقية -التي لديها حسابات مع مصارف صينية- باليوان الصيني.
وسيسهم التعامل باليوان مباشرة دون وساطة الدولار الأميركي في تسهيل وتسريع المعاملات المالية، وسيقلل تكاليف الاستيراد ويحمي من مخاطر تذبذب أسعار الصرف داخل العراق.
وتعرض الجزيرة نت قراءة اقتصادية لقرار “المركزي العراقي” التعامل باليوان الصيني بدلا من الدولار الأميركي، ما إيجابياته وسلبياته على الاقتصاد العراقي؟
ما الجوانب الإيجابية لقرار المركزي العراقي اعتماد اليوان؟
يصف المستشار المالي للحكومة العراقية الدكتور مظهر محمد صالح تبني العراق هذا القرار بـ”المنطقي” نتيجة تفوق التجارة بين العراق والصين مقارنة بدول العالم الأخرى.
وفي مقابلة مع الجزيرة نت قال صالح إن الصين تمثل الشريك التجاري الأول للعراق، إذ تبلغ التجارة السنوية على مستوى الصادرات النفطية والاستيرادات من السلع والخدمات قرابة 53 مليار دولار.
وأكد صالح على أهمية استخدام اليوان في تسوية المدفوعات المتعلقة بتجارة القطاع الخاص العراقي من السلع والخدمات الصينية.
وأشار إلى أن القرار يساعد منصة الامتثال التي اعتمدها “المركزي العراقي” العام الماضي في معرفة المستفيد الأخير من التحويل الخارجي عبر نافذة “المركزي” لبيع وشراء العملة الأجنبية، وفق قواعد الشفافية الدولية.
وأضاف أن للقرار أثرا إيجابيا أيضا على صعيد جهود الامتثال ومكافحة غسيل الأموال.
ما الجانب السلبي للقرار؟
على عكس حديث المستشار الحكومي تصف الخبيرة الاقتصادية الدكتورة سلام سميسم قضية التعامل باليوان بـ”المناورة السياسية” التي لن تحقق نجاحا على المدى الطويل.
وقالت سميسم في تصريح للجزيرة نت إن نجاح هذا القرار يستلزم وجود قيمة مشتركة تتم على أساس تقييم سعر النفط الذي يعتمد عليه العراق من جهة وسعر اليوان الصيني من جهة أخرى، أي: كم يعادل؟ وماذا يعادل؟ وكم سيحتسب سعر برميل النفط؟
وأشارت إلى ضرورة وجود حسابات مفتوحة بقيمة الدولار في النهاية، مؤكدة أن القرار مناورة سياسية ولن يمضي إلى الأمام، حسب قولها.
هل يمتلك العراق ومصارفه اليوان الصيني لدعم التعاملات الجديدة؟
قال الأكاديمي الاقتصادي مصطفى حنتوش إن المصارف العراقية والقطاع الخاص يملكان الدولار وليس اليوان، مضيفا أن بغداد ستشتري من الصين بعملتها لكن ستسدد لبكين قيمة المشتريات بما يعادلها بالدولار، في وقت يدعم البنك الفدرالي الأميركي هذا القرار لحصر حجم التبادل التجاري بين العراق والصين عند 18 إلى 19 مليار دولار.
وحذر حنتوش في تصريحه للجزيرة نت من تأثر الاقتصاد العراقي بخطر ارتفاع أسعار السلع والبضائع الصينية المرتبطة مباشرة بارتفاع وانخفاض أسعار الدولار عالميا.
هل سيغذي البنك المركزي العراقي المصارف الحكومية والخاصة بالعملة الصينية؟
بالعودة إلى المستشار المالي للحكومة العراقية للإجابة عن هذا السؤال قال إن البنك المركزي العراقي يتولى تنويع احتياطياته بالعملة الأجنبية التي من بينها اليوان، لذلك فإنه بلا شك سيغذي حسابات المصارف العراقية لدى “المصارف الصينية المراسلة” بعملة اليوان لأغراض تلبية متطلبات الاستيراد من الصين وتسديد مستحقاتها المترتبة بالعملة الصينية.
ما الآلية التي ستستخدم في عملية الدفع باليوان الصيني؟
هناك عدة خطوات بشأن الآلية التي سيستخدمها العراق لتنفيذ الحوالات والاعتمادات باليوان الصيني بدلا من الدولار الأميركي وفق المبدأ المصرفي “اعرف عميلك” “كيه واي سي” (KYC).
وتقول المديرة المفوضة للمصرف الدولي الإسلامي سها الكفائي للجزيرة نت إن البنك المركزي العراقي وضع إجراءات مبسطة لتنفيذ القرار بالاعتماد على نوعين من الشركات:
- النوع الأول: الشركات التجارية في اتحاد الغرف التجارية العراقية المصدقة من قبل كاتب بالعدل والمسجلة في دائرة تسجيل الشركات التابعة لوزارة التجارة العراقية، وسيكون سقف الشركة الواحدة المسموح بالتعامل معها 260 مليون دينار عراقي (200 ألف دولار).
- النوع الثاني: الشركات المسجلة مباشرة في دائرة تسجيل الشركات، وسيكون مسموحا لها تنفيذ الاعتمادات والحوالات لسقوف أعلى من 260 مليون دينار (200 ألف دولار).
وأضافت الكفائي أنه سيتم فتح الحساب لتلك الشركات وتدقيق أوراقها والتأكد من قانونيتها وصلاحياتها، فضلا عن تدقيق الأوراق الثبوتية الرسمية للمدير المفوض وتدقيق صلاحية الفاتورة المرسلة على أن تكون أدنى من 6 أشهر، واستلام المبلغ بالدينار لصالح الحساب الجاري بعد أخذ الموافقات الداخلية.
وكشفت المديرة المفوضة للمصرف الدولي الإسلامي عن توحيد التجارة الدولية للعراق، وذلك من خلال سماح البنك المركزي بدخول الشركات التجارية في إقليم كردستان إلى المنصة الإلكترونية للتداولات المالية بين المصارف العاملة في العراق، وفتح الأبواب لقطاعات متنوعة للاستيراد بنفس الطريقة، مثل المشاريع الاستثمارية والمكاتب العلمية للدواء والمعامل والمشاريع الزراعية والعلاج والدراسة وبيع العقارات، إضافة إلى التجارة الخارجية لمختلف الأصناف.
واعتبرت الكفائي تعامل العراق بهذا القرار خطوة مهمة للتجارة الخارجية وبوابة لعودة انطلاقها وفق المعايير الدولية.
هل القرار الجديد التفاف على التشريعات والقوانين المصرفية المحلية والدولية؟
يجيب عن ذلك الخبير المصرفي عقيل الأنصاري بالقول: لا أعتقد ذلك، معللا إجابته للجزيرة نت بأن البنك المركزي ومن خلال منصة “سويفت” (Swift) التي دخلت حيز التنفيذ نهاية العام الماضي يستطع التعرف على مصدر الأموال وسبب التحويل والمستفيد الأخير.
هل التعامل باليوان الصيني تحدٍ لأميركا؟
يفند الأنصاري التصريحات الصادرة هنا وهناك بشأن غضب الإدارة الأميركية من ذهاب العراق لاعتماد اليوان في تسديد ما يستورده من الصين كون أنه قد طلب من بنك “جي بي مورغان” تقديم المساعدة التقنية له من أجل إكمال تنفيذ القرار المصرفي الجديد، وقد وافق البنك على ذلك.