- اقتصاد, الاصلاحات الاقتصادية, البنوك, الحكومة العراقية, المصارف الغربية, ثقة مفقودة
- 0 Comments
- 1039 Views
أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني منذ يناير/كانون الثاني الماضي جملة من الإصلاحات المالية والاقتصادية في البلاد، كان من بينها تفعيل نظام الدفع الإلكتروني، حيث أعلن بيان صادر عن مكتبه، العمل على تفعيل نظام “الدفع الإلكتروني” (Point of sales)، اعتبارا من الأول من يونيو/حزيران المقبل.
وكانت الحكومة قد أكدت البدء بتطبيق النظام مع إعفاء التجهيزات الإلكترونية الخاصة بها من الضرائب، في محاولة لتشجيع الشركات الخاصة على اعتماد هذا النظام، حيث يعد العراق من الدول المتأخرة في تطبيقه.
إحصائيات
يؤكد مختصون بالشأن الاقتصادي أن تطبيق نظام الدفع الإلكتروني يعني ضرورة فتح حسابات مصرفية لجميع مراكز التسوق والمشافي والمصانع والعيادات الطبية والصيدليات وغيرها، في ظل افتقار البلاد حتى الآن لوجود فروع لمصارف دولية أجنبية كما في بقية دول العالم، وهو ما قد يتسبب بإقبال كبير على المصارف الأهلية والحكومية التي قد لا تستطيع مجاراة الطلب المتصاعد.
ووفق دراسة أعدها البنك المركزي العراقي عام 2018، فإن نسبة العراقيين الذين لديهم حسابات مصرفية لا تتجاوز 3.2% من مجموع سكان البلاد، ويبلغ عدد المصارف الحكومية في العراق 7 مصارف، إضافة إلى 25 مصرفا تجاريا أهليا، و3 مصارف أهلية إسلامية، و3 فروع لمصارف إسلامية أجنبية، وذلك وفق الموقع الرسمي للبنك المركزي.
أما عن عدد المصارف الأجنبية التجارية، فيبلغ 16 مصرفا يتبع كلا من تركيا ولبنان وإيران والأردن، مع الأخذ بعين الحُسبان أن البنك المركزي وضع 7 من هذه المصارف تحت الوصاية مع تصفية أعمالها في البلاد عام 2020، وذلك وفق موقع البنك المركزي، مع وجود مكتب لمصرف “سيتي” الأميركي وآخر لمصرف “كوميرز” الألماني، حيث يتخذان من فندق بابل ببغداد مقرا لهما.
وكان البنك المركزي العراقي قد استبعد قبل 3 أشهر 4 مصارف محلية من مزاد بيع العملة، وذلك بسبب اتهامات طالت هذه المصارف تتعلق بتهريب الدولار وغسيل الأموال، حيث تزامن ذلك مع بدء العراق بتطبيق نظام التحويلات المالية الدولي المعروف بـ”سويفت” (SWIFT).
وفيما يتعلق بنظام البيع الإلكتروني ومدى إمكانية تنفيذه، أوضح أستاذ الاقتصاد في الجامعة العراقية ببغداد عبد الرحمن المشهداني أن العراق لا يزال في المرحلة الأولى من هذه التجربة، وأن رئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي كان قد شرع بذلك منذ عام 2017 بدون تطبيقه.
وفي حديثه للجزيرة نت، كشف المشهداني أن نظام البيع الإلكتروني بحاجة لوجود “وحدات الصرافة الآلية” (ATM) في جميع أنحاء العراق، وأن مجموع ما متوفر منها لا يتجاوز 1564 صرافا آليا غالبيتها في بغداد وأربيل، لافتا إلى أن أجهزة الصراف الآلي تعد مصرفا متكاملا يشمل عملها السحب والإيداع والتحويل، بيد أن الخدمات التي تقدمها في العراق تقتصر على السحب النقدي فقط.
مصارف أجنبية
وعن سبب امتناع المصارف الأوروبية والأميركية عن العمل بالبلاد، تحدث عضو اللجنة المالية البرلمانية جمال كوجر عن الوضع السياسي. حيث ذهب إلى أن الفترة المقبلة قد تشهد دخول مصارف أجنبية للبلاد. وأوضح أن العراق كان مصنفا في الماضي من ضمن الدول غير الصديقة للغرب، ولم يكن خاضعا لنظام التحويل المالي الدولي، ومع بدء تطبيق هذا النظام والمنصة الإلكترونية قبل 4 أشهر، بات مهيئا لدخول هذه المصارف والشركات المالية الأجنبية.
ويذهب في هذا المنحى عبد الرحمن المشهداني الذي أضاف أن السبب الرئيس لعدم وجود فروع لمصارف أجنبية دولية يعود للوضع الأمني الذي شهدته البلاد طيلة العقدين الماضيين، منبها في الوقت ذاته إلى أن هذه المصارف تتخوف من العراق بسبب المؤشرات المتعلقة بعمليات غسيل الأموال.
وبعد ملاحظة الاستقرار الأمني في الفترة الماضية والخطوات والإجراءات التي اتخذها البنك المركزي في الحد من غسيل الأموال عبر المنصة الإلكترونية، يأمل المشهداني أن تتمكن الحكومة العراقية من جذب المصارف الغربية.
من جانبه، تحدث المحلل المالي محمود داغر عن سبب آخر قد يمنع دخول الإصلاحات الاقتصادية الحكومية حيز التنفيذ، ويتمثل بعدم استقرار الدينار العراقي في الأسواق الموازية، الأمر الذي يجعل التجار يفضلون التعامل بالنقد العراقي أو الدولار بعيدا عن نظام البيع الإلكتروني، وهو ما قد ينسحب على عمل المصارف الأجنبية بالبلاد.
وفيما يتعلق بإمكانية استيعاب المصارف المحلية والأجنبية للإصلاحات الاقتصادية الحكومية، أوضح داغر-في حديثه للجزيرة نت- أن في العراق نحو 10 آلاف و500 “نقطة بيع إلكتروني” (POS) منتشرة في القطاعات التجارية، منبها إلى أنه رغم قلة عدد هذه الأجهزة، غير أنها لا تزال غير مستخدمة حتى الآن، على اعتبار أن هناك تخوفا لدى التجار من الملاحقة الضريبية، وهو ما يتطلب ثقافة مصرفية عالية.
غياب الثقافة المصرفية
يُجمع خبراء الاقتصاد في العراق على أن العراقيين لا يزالون يواجهون مشكلة الثقة بالمصارف العاملة في البلاد، فضلا عن قلة الوعي المصرفي، وهو ما يتبناه محمود داغر بالقول “إن المصارف العراقية وفروع المصارف الأجنبية لديها القدرة على استيعاب مئات آلاف الحسابات المصرفية في البلاد، بيد أن المشكلة تكمن في الثقافة المصرفية التي لا تزال متواضعة”.
ويتفق المشهداني مع هذا الرأي جزئيا، ويضيف أن هناك قصورا في الثقافة المصرفية بسبب إحجام العراقيين عن التعامل مع المصارف بسبب قلة الخدمات التي تقدمها، مقترحا على الحكومة منح “عطلة ضريبية” تمتد لـ 5 سنوات لأجل تشجيع جميع القطاعات التجارية على العمل بنظام الدفع الإلكتروني.
على الجانب الآخر، يرى الصحفي الاقتصادي نبيل النجار أن المصارف العراقية استطاعت خلال السنوات الخمس الماضية تطوير القطاع التقني بما يجعلها مهيأة لنظام البيع الإلكتروني، وأنها لا تزال بحاجة لزيادة عدد أجهزة الصراف الآلي في عموم المدن.
وعن الثقافة المصرفية، أوضح أن الحكومة العراقية لا تزال مقصرة في التثقيف على التعامل بالنقد الإلكتروني، مبينا -في حديثه للجزيرة نت- أن الحكومة العراقية لديها ما وصفه بالفرصة الذهبية لتطويع وتشجيع الشارع العراقي للتعامل إلكترونيا، وذلك عبر العديد من الإجراءات التدريجية من خلال توسيع دائرة فرضها على التجار والأسواق ثم بقية القطاعات، وبغير ذلك فإن العراق سيظل معتمدا على النقد الورقي بما يمثله من مشكلات وعيوب، وفق تعبيره.