- اقتصاد, الزراعات المقاومة للجفاف, المغرب, قلة الموارد المائية
- 0 Comments
- 769 Views
الرباط – ينتظر فلاحون في إقليم الرحامنة وسط المغرب انتهاء أشغال بناء وحدة صناعية لتثمين حبوب الكينوا لتوسيع تسويق هذه الزراعة الحديثة في المنطقة.
وانطلقت الأسبوع الماضي فعاليات الموسم الـ15 لزراعة الكينوا بمنطقة بوشان بمشاركة خبراء وباحثين وفلاحين منتجين ومهتمين بهذه الزراعة.
يقول رئيس تعاونية حبوب الرحامنة الذهبية عبد العزيز الكاين إنهم شرعوا في زراعة الكينوا منذ العام 2008 كونها تتلاءم مع مناخ المنطقة وتربتها الفقيرة.
وبدأت زراعة حبوب الكينوا -التي تعتبر أميركا اللاتينية موطنها الأصلي- في المغرب لأول مرة في منطقة الرحامنة ثم اليوسفية، وتتميز بقدرتها على الصمود في مواجهة التغيرات المناخية وتوفير فرص للعمل في العالم القروي.
ويتسم إقليم الرحامنة بمناخ شبه جاف مع ارتفاع درجات الحرارة وقلة الأمطار، مما يؤثر على النشاط الزراعي، وهو النشاط الأساسي للسكان إلى جانب تربية الماشية.
وبعد أن كانت هذه الحبوب غير معروفة في صفوف المزارعين في السنوات السابقة، أصبحوا الآن يتنافسون لزراعتها بسبب مردودها الوفير في وقت وجيز.
الكينوا مقاومة للجفاف
عرف المغرب خلال 70 عاما الماضية 20 موسم جفاف، وتواجه البلاد منذ العام 2001 تحدي تدبير الموارد المائية بسبب انخفاض منسوب الأمطار والارتفاع المتواصل في درجات الحرارة والإفراط في استغلال المياه الجوفية، ويصنف المغرب ضمن البلدان المهددة بإجهاد مائي حاد بحلول سنة 2040.
ويعتبر القطاع الزراعي أكثر قطاع مستهلك للمياه بمعدل طلب يبلغ 87.3%، مما دفع الحكومة إلى إعلان عدد من البرامج للتعامل مع أزمة ندرة المياه، وتشجيع الفلاحين على زراعات مقاومة للجفاف.
يقول عبد العزيز الكاين للجزيرة نت إنهم كانوا يزرعون حبوبا مثل القمح والشعير إلى جانب تربية الماشية، غير أنهم اتجهوا في السنوات الأخيرة تدريجيا صوب زراعة حبوب الكينوا كونها تناسب مناخ المنطقة ولمردوديتها الكبيرة.
وأضاف “نزرع الكينوا في شهر فبراير/شباط ونحصل على محصول وفير في فترة تتراوح ما بين 90 و120 يوما، كما نوفر الكلأ اللازم للماشية”.
بلغت المساحة التي يزرعها فلاحو الرحامنة حاليا بالكينوا حوالي 350 هكتارا، ويتوقع الكاين أن تتضاعف هذه المساحة بعد انتهاء بناء الوحدة الصناعية لتثمين الكينوا، وحصول التعاونية التي يرأسها على شهادة السلامة الغذائية لتصل إلى ما بين 600 وألف هكتار.
وستساعد هذه الوحدة -الأولى من نوعها في المنطقة- على تثمين هذه الحبوب باستعمال الآلات عوض الاعتماد على الطريقة التقليدية، وتسويق هذه الزراعة وتحويلها إلى مواد ذات قيمة مضافة عالية.
يتذكر الكاين الطريق الطويل الذي قطعته هذه الزراعة في المنطقة منذ التجارب الأولى، فيقول “حدثت تغييرات كثيرة، في البداية لم يكن مزارعو المنطقة يعرفون هذه الحبوب أو طريقة ووقت زراعتها أو تثمينها، ولم تكن أيضا من الزراعات المعترف بها”.
ويضيف “حاليا يتنافس المزارعون لزراعتها وتم في 2019 الاعتراف بها رسميا ضمن سلسلة الحبوب”.
تضم تعاونية حبوب الرحامنة الذهبية 57 فلاحا و22 امرأة، يزرع المزارعون أراضيهم بالكينوا، وتقوم النساء بتثمينها وصنع مواد منها كالدقيق وغيره، تحت إشراف ومواكبة خبراء زراعيين متخصصين.
ينظر الكاين بتفاؤل إلى المستقبل، ويقول “نطمح إلى رفع الإنتاج وتلبية حاجيات السوق الداخلي ثم التصدير إلى الخارج”.
الجفاف والتملح
تجربة أخرى بدأت منذ 3 سنوات في المنطقة الشرقية للمملكة تقودها المهندسة الزراعية إلهام عبيدي، وهي باحثة في معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة بالرباط، ومسؤولة في المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي بملوية عن برنامج إدخال زراعات مقاومة للجفاف والملوحة في النظم الزراعية وخاصة الكينوا.
تقول إلهام للجزيرة نت إن الحاجة لتنويع الإنتاج في المنطقة الشرقية والاقتصاد في الماء دفعاها إلى إنجاز أبحاث وتجارب على عدة أنواع من بذور الكينوا، لمعرفة أيها ملائم للتربة والمناخ في هذه المنطقة.
ويعيش مزارعو المنطقة الشرقية تحت تأثيرات الجفاف، إلى جانب تملح التربة بسبب ملوحة المياه الجوفية.
وتشرف هذه الباحثة على تنفيذ مشروع دولي في المنطقة بتمويل قيمته 400 ألف يورو من برنامج “بريما” (PRIMA) التابع للاتحاد الأوروبي، وذلك بهدف نشر زراعة الكينوا في الجهة الشرقية، وإنجاز تجارب لفهم كيفية تكيفها مع مناخ شرق المغرب.
توضح إلهام أن المزارعين الصغار بالمنطقة بحاجة إلى زراعات بديلة تمكنهم من الحصول على مدخول مادي يحسن مستوى حياتهم.
وأشارت إلى أن عددا من التعاونيات الزراعية وخاصة النسائية بدأت زراعة هذه الحبوب وتثمينها وحصلت على مردودية وفيرة، وأضافت “حصلنا على 4.5 أطنان من الحبوب في الهكتار في الأراضي المسقية بالمياه الجوفية المالحة”.
وتؤكد المهندسة الزراعية على ضرورة مواجهة التغيرات المناخية في المملكة بالتأقلم معها عبر زراعات بديلة وأنظمة زراعية مرنة ومقاومة.
تحول المنظومة الزراعية
أكد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في آخر تقرير سنوي له على ضرورة إرساء تحول للمنظومة الزراعية خاصة في ظل فترات الجفاف المتواترة التي تهدد الإنتاج الزراعي والسيادة الغذائية للبلاد.
وللتصدي للتقلبات المناخية وما تكرسه من هشاشة المنظومة الزراعية، أوصى المجلس بدراسة جدوى إدخال أصناف من الحبوب أكثر مقاومة للجفاف، لا سيما تلك المنتشرة في أفريقيا مثل أصناف الدخن أو الذرة الرفيعة، وإيلاء أهمية كبرى لزراعة الشعير، مع الحرص على توفير كل الإعانات والتحفيزات المطلوبة لتطوير هذه الزراعات.
وأوصى أيضا بإعطاء مكانة مركزية للبحث والتطوير في مجال اختيار البذور والزراعات الأكثر مقاومة للجفاف، وفي الجوانب المتعلقة باستعمال الأسمدة لاسيما العضوية منها كبدائل، وكذا في تطوير تقنيات السقي والأساليب الفلاحية الأكثر ملاءمة لمناخ البلاد.
يؤكد الخبير الاقتصادي عبد الغني اليومني على ضرورة الانفتاح على زراعات جديدة ذات قيمة مضافة كبيرة وغير مستنزفة للمياه.
ويشير، في حديث مع الجزيرة نت، إلى أن الظروف المناخية التي تشهدها البلاد منذ سنوات تحتم إعادة النظر في حجم إنتاج الخضر والفواكه، خاصة تلك المستنزفة للموارد المائية والموجهة للتصدير.
ويحقق المغرب الاكتفاء الذاتي من الخضر والفواكه بنسبة 100%، إلى جانب تزويده الأسواق الأوروبية والأفريقية والخليجية من هذه المنتجات الزراعية.
وحققت صادرات المنتجات الزراعية رقما قياسيا العام الماضي، فقد بلغ حجم صادرات الفواكه والخضر الطازجة 2.3 مليون طن، وبلغ حجم صادرات الفواكه الحمراء 132 ألف طن، كما تميزت سنة 2022 أيضا بنمو ملحوظ لصادرات الحوامض.
يقول اليومني “عندما نصدر الطماطم والبطيخ مثلا فإننا نصدر معهما أيضا ثروتنا المائية بثمن بخس”، لذلك يجب العمل على تحقيق التوازن بين تحقيق السيادة الغذائية والتأقلم مع التغيرات المناخية التي تهدد الأمن المائي للبلاد.
تشجيع زراعات مقاومة
أكد وزير الفلاحة والتنمية القروية محمد الصديقي خلال حديثه أمام البرلمان عن الاستعدادات للموسم الزراعي الحالي 2022-2023، أن القطاع الزراعي يسعى إلى تعزيز قدرته على مقاومة التغيرات المناخية. وأشار إلى أن بلوغ هذا الهدف سيتحقق من خلال تشجيع ودعم زراعات ذات قدرة على مقاومة التغيرات المناخية كأشجار الخروب والزيتون والأرغان والصبار واللوز، وأيضا تطوير واستعمال أصناف نباتية محسنة جينيا مقاومة للجفاف، خصوصا الخاصة بالحبوب والأعلاف.
وأطلقت وزارة الفلاحة والصيد البحري في الأشهر الماضية مشاريع لتوسيع غرس أشجار الخروب في عدد من مناطق المغرب، ويسعى مخطط “الجيل الأخضر 2020-2030” الذي تشرف عليه الوزارة إلى زراعة مساحة تقارب 100 ألف هكتار بأشجار الخروب لرفع الإنتاج الوطني.
وبلغت المساحات المزروعة بالصبار 170 ألف هكتار، والمزروعة بأشجار اللوز 171 ألف هكتار، في حين تتجاوز المساحة المغروسة بأشجار الزيتون مليون هكتار.